خرافات ... لا تضر

حسين أحمد بزبوز *

      عنوان غريب نوعا ما!!!، ربما يكون غير منطقي، فكيف للخرافة التي تهدم منطق الإنسان، أن تصبح بلا أضرار؟؟؟!!!. كيف لها أن تغدوا ضيفا مرحبا به في عقله؟؟؟!!!، كيف ستعيش مع المنطق في سلام؟؟؟!!!. و كيف يتسنى للخرافة أن تتحول إلى لبنة من لبنات تفكيرنا، دون أن تتحول إلى داء سرطاني يستشري في كل ذلك الكيان فيقضي عليه؟؟؟!!!.

        ربما الأغرب من ذلك الادعاء, أن ندعي أن هنالك خرافات (نافعة). لكن، حقيقةً ... قد لا تكون الخرافات كلها ضارة. فربما يمكن تصنيفها إلى أقسام: فبعضها ضار، و بعضها نافع، و بعضها قليل الضرر، و بعضها كثير الأضرار، و بعضها قليل النفع، و بعضها كثير النفع, ... وهكذا: فبعضها ربما يقف على الحياد، أي ربما بعضها لا يسمن و لا يغني من جوع، أي لا يجلب منفعة ولا يدفع ضررا.

       لكن ما الذي يدفعنا لهذا التفكير؟؟؟!!!. في الحقيقة يدفعني لهذا: ازدهار حضارة الغرب مع ما فيها من تدين ملحوظ، يشوبه كثير من الخرافة و التحريف و الأوهام ... الخ.

  فإذاً يمكن للعقل البشري أن يعيش مع بعض الخرافة بسلام، و يمكن أن يزدهر العلم في معقل الخرافات، بل ربما يمكن أن تتحول الخرافة إلى زاد تتقوى به الحضارة و يتغذى عليه الإبداع.

 أليس في كل بلاد الدنيا حتى المتطورة و المتحضرة منها خرافات و أساطير، بعضها قديم و بعضها الآخر حديث؟؟؟!!!. فماذا عن الأطباق الطائرة مثلاً؟؟؟!!!.

 إذاً ربما ليس لكل الخرافات نفس المستوى من التأثير و الضرر بعقل الإنسان. بل ربما يكون لبعض الخرافة أحيانا مردود فاعل في إلهام الإنسان و تزويده بطاقة إضافية للفعل و الحراك و التطوير و التسامح و العطاء و الابداع.

       إذاً إذا استطعنا أن نتسالم على هكذا رأي و أن نصل إلى هكذا قناعة، فلابد أننا سنشك أننا في مجتمعاتنا الإسلامية قد ابتلينا بأنواع وبائية من تلك الخرافات و الأوها، ساعدها غياب الحريات على الازدهار، فأمكنها أن تشل حراك و تطور و وعي الإنسان.

  فالمطلوب منا إذا بعد التحرر من القيود و من رفض النقد و من عداء الآخر، أو في (نفس الوقت) من أجل التحرر، أن نبحث في ثقافتنا و في تراثنا عن تلك الأنواع الوبائية المخدرة، بل المميتة في بعض الأحيان، فنعالجها ببعض الحقنات القاتلة.

       لكن حذار، فربما يتحول حراكنا و جدلنا اللامتناهي حول بعض الخرافات المسالمة المحايدة أو النافعة الملهمة، الى إضاعة وقت أو إشغال للناس يستهلك الجهد، أو ربما تضييع للدرر الثمينة التي تهب طاقة إضافية للحياة.

 لكن لا شك أن بعض الجدل في الخرافات ضرورة صحة و عافية و نجاة ...، خصوصا إذا كانت الخرافة و بائية قاتلة أو ممرضة، لذا فإن هذا يدفع للتمسك بمسار هذا الجدل و الحوار.

       إذا على أجهزة النقد و الممانعة و المناعة في أمتنا أن تبحث عن أنواع معينة من تلك الفيروسات السامة اللعينة، و أن تتركنا نعيش بسلام مع بعض الخرافات الملهمة أو المحايدة أو الواهنة ...، فالمهم أن يتعافى جسم الأمة من الآفات التي تشل التفكير و تعيق الحركة و تسبب المرض، أما جرعات التطعيم و حقن التنشيط و البكتيريا النافعة التي تمدنا ببعض مصادر القوة و الطاقة و الغذاء و الفيروسات العاجزة فلنلق عليها (تحية السلام).

      و الآن، ربما تكون الرسالة قد و صلت، و ربما لا تكون، ... لكن يبقى الرهان دائما رهان على الوعي، وعي البعض أو وعي الكل، و يبقى المشروع الأهم للأمة في مسيرة التغيير على مستوى الأمة و على مستوى الحكومات سياسيا و ثقافيا و اجتماعيا هو (مشروع الحرية و التسامح و التعدد و التعايش و الإنفتاح)، أي مشروع التحرر السياسي و التحرر من الأوهام ... و السلام.