الإمام الشيرازي في ذكراه السادسة

أ . بدر الشبيب *

تمر علينا هذه الأيام الذكرى السادسة لرحيل المرجع الكبير السيد محمد الحسيني الشيرازي ( قده)، هذا المرجع / الإنسان الذي أفنى عمره الشريف في خدمة الإسلام مبينا تعاليمه وأحكامه وشرائعه، وداعيا إلى تطبيقه في كل جوانب الحياة، مؤمنا إيمانا لا يتزعزع أن خلاص العالم من مآسيه لا يكون إلا بالإسلام.

وانطلق في مشروعه الفقهي الكبير – رغم العقبات التي وضعت في طريقه – يكتب بهمة لا تفتر، وعزمة لا تلين، يؤسس لأبواب جديدة في الفقه، فقه الحكم في الإسلام، فقه السلم والسلام، فقه العولمة، فقه الحقوق، فقه الاجتماع، فقه القانون، فقه البيئة، فقه المرور، فقه الإدارة، من فقه الزهراء ، الرأي العام والإعلام، اللاعنف في الإسلام، اللاعنف منهج وسلوك. الحرية الإسلامية، الحريات، وغيرها.

لقد كان رائده في كل ما يكتب إحداث نهضة في العالم الإسلامي يكون منطلقها الإسلام، وتصل إشعاعاتها النورانية إلى كل أرجاء المعمورة، وكانت كتبه الثلاثة ( الصياغة الجديدة، السبيل إلى إنهاض المسلمين، ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) مشروعا متكاملا في هذا الطريق.

ومن خلال هذا الأمر يمكن أن نفهم لماذا يكتب – وهو المرجع الديني – في الرأي العام مثلا، ذلك لأنه يراه القوة الخلفية والأداة الفاعلة في عملية التغيير والنهوض ( فبدونه لا تتم العملية، ولو تمت لكانت ناقصة)، ومن هنا – يضيف سماحته – جاءت ضرورة التعرف إلى الرأي العام لنتخذ منه وسيلة لما نريد من إحداثه من تغيير، ولما كان هدفنا هو تغيير واقع الأمة الإسلامية إلى ما هو أحسن، فإننا بحاجة ماسة إلى الرأي العام كوسيلة لهذا التغيير.

إننا – ونحن نتذكر الإمام الشيرازي يجب أن لا نقف عند حدود الذكرى العاطفية أو التبجيلية، بل يجب علينا أن ننتقل إلى ما هو أعمق من ذلك، وأعني به ما ذكره الله تعالى في كتابه العزيز ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) سورة الأنعام

فالمطلوب ولا هو التعرف على هدى الإمام الشيرازي المبثوث في مؤلفاته وسيرته حتى نتمكن من الاقتداء بهديه، ومما لا شك فيه أن على طلابه تقع المسؤولية الكبرى في بيان نتاجه الفقهي ونشره، كما تقع المسؤولية على المثقفين والمهتمين بالشأن الإسلامي في بث رؤاه الحضارية المختلفة إلى كافة أبناء الأمة الإسلامية، بل للعالم أجمع، فما أحوجنا – كمسلمين – إلى تلك الرؤى الإسلامية الصافية التي تركز على الأخوة الإسلامية والحرية والشورى، وما أحوج العالم أجمع إلى التعرف على الإسلام المحمدي الأصيل الذي ينطلق من الرحمة والحب والتسامح واللاعنف، ويشيع الفضيلة والقيم النبيلة والانسجام والتناغم بين كل خلق الله.

إن العالم اليوم يعرف غاندي أكثر مما يعرف الإمام الشيرازي وأي مرجع من مراجعنا، بل – وللأسف – أي إمام من أئمتنا ، وهذا غاية التقصير.

  • وأختتم هنا بما يقوله سيدنا الشيرازي عن تقصيرنا:

لا شك أننا مقصرون في داخلنا وخارجنا، أما في الداخل فإننا صبرنا على الديكتاتوريات التي انتشرت في بلاد الإسلام، والديكتاتوريات في عالمنا الإسلامي هي مصدر كل الرذائل، وهي منبع التخلف والتأخر والبدائية وألف شيء وشيء، وقد جمعت بعض ذلك في كتاب " ممارسة التغيير " وأشرت إلى بعض ذلك في كتب أخرى.

أما في خارج العالم الإسلامي؛ حيث يتواجد في أمريكا وأوربا ما يقرب من ثلاثين مليون مسلم، فعلى الرغم من هذه الكثرة إلا أنهم لم يؤسسوا منظمات قوية تتبنى الدفاع عن الإسلام، وتقوم بنشر الصورة الحقيقة للإسلام ومبادئه الصحيحة في بلاد الغرب، ولم يقوموا بتعريف الإسلام الواقعي وتعاليمه السمحة عبر وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، وبين هذا وذاك حدثت المأساة، لكن بالرغم من حدوثها، فهذا لا يعني مطلقا بقاءها إلى الأبد.

 

أديب وكاتب وباحث في علوم اهل البيت عليهم السلام