العرب وعقدة المعارضة

علي آل غراش *
 
 لماذا المعارضة في الوطن العربي مخلوق غريب غير معترف به من قبل الأنظمة العربية؟  ولماذا الشعوب العربية تتحفظ في التعاطي مع المعارضة خوفا من أن تصنف في خانة المغضوب عليهم، ومن تهم ستجلب الويلات وسخط الحكومات؟
  
  للمعارضة في الدول الديمقراطية المتطورة دور ايجابي لا يقل عن دور الحكومة في خدمة الوطن والمواطنين ... من خلال نقد برنامج الحكومة وكشف الأخطاء وفضح الفساد، والمساهمة في البناء.  وموقع المعارضة ليس مرهون بتيار محدد وجماعة معينة ربما الحكومة الحالية تصبح لاحقا معارضة، والمعارضة الحالية تتحول إلى حكومة.. فهناك تبادل للأدوار.. فالمعارضة موقع لا يمكن أن يكون فارغا.
  
  ومن سنن الله في الكون أن حالة التأييد والمعارضة موجودة عند جميع البشر من جميع الأديان والأطياف والأجناس والطبقات والشرائح أغنياء وفقراء... على مر العصور والأزمنة والحضارات... ومنها عهد الحكومات الإسلامية منذ حكم الخلفاء. والبلدان العربية وشعوبها ليست بعيدة عن ذلك... فكل بلد هناك فريق مؤيد وفريق معارض للحكومة القائمة..، يمكن مشاهدة فريق التأييد بوضوح من خلال إعلام الحكومات... إلا ان فريق المعارضة في اغلب البلدان العربية مغيب لا يمكن مشاهدته بسهولة الا بالبحث عنه لان الأنظمة الحاكمة لا تسمح ببروزه ولا تعطيه مساحة من الحرية لإبراز صوته. فالأنظمة العربية مصابة بعقدة اسمها المعارضة التي تقول: إن المعارضة عمالة وتدمير للتنمية والتطور القائم في الوطن!
  
  ولكن منع صوت المعارضة من البروز، وتشويه سمعتها في العقل العربي، وملاحقة أفرادها بأنهم يسعون للإساءة للوطن لا يعني ذلك موت المعارضة... وان يصبح موقع المعارضة فارغا.
كرسي المعارضة مستحيل أن يكون فارغا فإذا لم تسمح الحكومات من وجود معارضة شفافة بصورة قانونية سيأتي من يملأه من المعارضة التي تعمل في الظل وربما في الظلام ... مما يؤدي إلى حالة التشنج وربما العنف.
  
  إن الحكومات العربية الشمولية التي ترى أنها الأفضل في حكم الشعوب والتصرف بمقولة (أنا ربكم الأعلى) والتي اعتادت على عدم تحمل صوت منتقديها ومن يبرز أخطائها... ليس بغريب عليها أن تستخدم جميع الأساليب لكبح صوت المعارضة ومنع وجودها.
  
  للأسف الشديد ان اغلب الإعلام العربي ومن يدور في مداره من الإعلاميين ( الذي من المفترض ان يكون سلطة رابعة مؤثرة ، ويكون مرآة حقيقية للواقع العربي المر، والسعي في نقد الممارسات الخاطئة للحكومات وفضح الفساد، وان يكون اقرب للمعارضة). أصبح أداة للنيل من المعارضة لحساب الأنظمة الحاكمة والمتحكمة... ووسيلة لخدمة الحكومة وتلميع صورتها وتبرير أخطائها.   فهناك حملات إعلامية شرسة ضد المعارضة في اغلب الدول العربية... بالرغم من أن عدد مؤيدي المعارضة تكون أكثر من مؤيدي الحكومة.
  
  هل مطلوب من الإعلاميين معارضة المعارضة والنيل منها والإساءة إليها بسبب وبدون سبب؟، ما الاختلاف بين دور من يدعي الإعلام الحر المستقل وبين الإعلام الحكومي في الوطن العربي في التعاطي مع المعارضة؟   الا يستحق الشعب المؤيد للمعارضة كلمة إنصاف وحق أو كلمة محايدة أم أن الإعلام العربي (وبالذات الإعلاميين) أصبح مثل الأنظمة أصيب بعقدة وبمرض العمى والصم لا يرى ولا يسمع إلا بعيون وأذان الحكومات.   يخاف من الاختلاف مع الحكومة فيصبح في خانة القائمة السوداء "المعارضة" فتصيبه اللعنة؟؟
  
  كيف تنمو المعارضة الايجابية في ظل هذه الأجواء الترهيبية الناتجة من عقدة الكراهية وعدم الاعتراف بالمعارضة ..  العقدة التي ستنجب وللأسف الشديد معارضة عنيفة أكثر تشدد كردة فعل.
  
 
كاتب سعودي