منْ ينقذ المؤسسة التعليمية من آفة الطائفية؟

علي آل غراش *

كيف لمعلم ومعلمة ان يعلما جيلا من التلاميذ فكرة المواطنة وهما اما يعانيان من التفرقة الطائفية او يمارسانها بحق غيرهما؟

عندما كان الطلبة والطالبات بالسعودية يجلسون على مقاعد الدراسة لإجراء الاختبارات النهائية للعام الدراسي 2007، كانت إحدى المعلمات تعالج في إحدى المستشفيات الكبرى بالمملكة بسبب الإصابة بصدمة نفسية وحالة من الخوف والقلق. والسبب: سوء المعاملة التي تعرضت لها من قبل المؤسسة التعليمية عبر إدارة المدرسة والزميلات المعلمات.
هذه المعلمة تُدرّس في إحدى الهجر التي تبعد عن مدينة الرياض مسافة ساعتين بالباص، تم تعيينها هذا العام بعد أكثر من أربعة أعوام من الانتظار القاتل والمتابعة الدائمة، ثم القبول بالتدريس في منطقة تبعد عن منطقتها الأصلية بمئات الكيلومترات، وكانت فرحتها بالتعيين لا توصف.

ولكن الفرحة لم تكتمل ولم تدم طويلا. حيث إنها كانت تقيم في مدينة الرياض، وتذهب يوميا إلى المدرسة برفقة بعض زميلاتها بالمدرسة بواسطة باص توصيل المعلمات. وكانت العلاقة بين المعلمة وزميلاتها في المدرسة جيدة. ولكن العلاقة تغيرت بعد فترة قصيرة، بسبب أنها من منطقة بعيدة وذات قبيلة مختلفة ومذهب مختلف عن أغلبية المعلمات!
إن ما حدث للمعلمة ما هو إلا عينة لسوء المعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها عدد من المعلمين والمعلمات أو الطلبة والطالبات في مدارس المملكة بسبب الاختلاف المناطقي أو المذهبي أو القبلي أو الفكري، في ظل سيطرة أصحاب الفكر المتشدد على المؤسسة.

وهناك الكثير من القصص المؤلمة التي راح ضحيتها الكثير، وتحمل عدد كبير من منسوبي هذه الوزارة لأصناف من المعاملات غير الإنسانية (بالإضافة إلى الضغوط النفسية حيث إن عدد كبير- من المعلمين والمعلمات- يتم تعيينهم خارج مناطقهم الأصلية مما يعيشون في غربة بعيدا عن الأهل) في المؤسسة المسؤولة عن التربية الأخلاقية والسلوكية أولا والتعليم، والمسؤولة عن تخريج كوادر قادرة على المحافظة على نسيج الوحدة الوطنية، وعلى أمن وسلامة الوطن والمواطنين.

هل المعلم (أو المعلمة) الذي يتعامل بعقلية طائفية واحتقار مع زميله في المهنة المقدسة قادر على تعليم جيل أصول التربية والتعليم السليمة، وتخريج جيل قادر على التعامل والتعاطي مع جميع الفئات الوطنية وبناء وطن للجميع، أم سيخرج جيلا أكثر تشددا وطائفية وعصبية، وهل يشعر أولياء الأمور بالأمان من تسليم فلذات أكبادهم إلى معلمين بهذه العقلية؟

إن المؤسسة التربوية والتعليمية المهمة المسؤولة عن أقدس واشرف المهن الإنسانية و الوطنية، وصناعة الإنسان "المواطن" أبت إلا أن تكون ضمن تيار محدد يتميز بالتشدد الديني والنظرة الأحادية للفكر، وعدم الإيمان بالتنوع الفكري والتعددية المذهبية في الوطن، بحيث تحولت هذه المؤسسة التعليمية لمصنع لتصدير الطائفية والاختلاف والتصادم بين أبناء الوطن الواحد!

وبدل أن يتعلم المواطن الطالب منذ الصفوف الأولى على روح التسامح والاحترام لفكر و رأي وعقيدة الآخر، والإيمان بالتنوع الديني والمذهبي والفكري للنسيج الوطني أصبح يتعلم ويتعرف - عبر المناهج التعليمية، وسياسة بعض المعلمين (والمعلمات) المتشددين- على الطائفية البغيضة والتعصب والحقد والكراهية، التي تنتقل من جيل إلى جيل بين الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات.

شخصية المعلم (أو المعلمة)هي الشخصية المؤثرة على شخصية الطالب بعد الوالدين ومن المفترض أن يكون المعلم (أو المعلمة) النموذج والقدوة للطلبة والطالبات حيث يتعلم الطالب من خلاله على العلوم والمعارف النافعة والسلوكيات الفاضلة. ولكن في المؤسسة التعليمية السعودية هو العكس!

ماذا نتوقع من طالب يسمع من أستاذه كلاما فيه تكفير وتجريح وذم لفئات معينة من المواطنين. ربما الطالب من نفس الفئة! أو يسمع كلاما فيه تجريح وتسقيط من المعلم لزميله المعلم (أو المعلمة) لأنه من فئة فكرية أو مذهبية ما تختلف عنه!

إن تحرير مؤسسة التربية والتعليم من سيطرة أصحاب الفكر الديني المتشدد، والتوجهات الطائفية البغيضة كانت ولازالت مطلب لعدد كبير من المواطنين السعوديين من جميع الفئات، وبعد حادثة 11 من سبتمبر عام 2001م والإعلان عن وجود بعض السعوديين ضمن الذين قاموا بالحادثة، وبضغوط خارجية بدأت مرحلة ما تسمى بإصلاح المناهج، والمؤسسة التربوية والتعليمية. ولكن برغم هذه الأعمال الإصلاحية لازالت المناهج وبالخصوص الدينية مليئة بالأفكار التي لا تخدم النسيج الوطني والوحدة والوطنية والتعددية، ولا يزال عدد كبير من المعلمين والمعلمات لديهم فكر متشدد ورؤية أحادية متشددة يدرسون بنفس الأساليب السابقة.. في ظل عدم وجود عواقب رادعة، وهناك العديد من الأحداث التي وقعت خلال هذه الفترة التي تؤكد على عدم جدية وفعالية الإصلاحات، وتؤكد على بقاء سيطرة أصحاب العقول المتشددة الذين يجدون كل الدعم.

منْ ينقذ المؤسسة التربوية والتعليم من الاختطاف وإعادتها إلى النسيج الوطني لتمثل جميع تيارات أبناء الوطن، في ظل وقوع المزيد من الضحايا من معلمين ومعلمات وطلبة وطالبات، والمزيد من التمزق في اللحمة الوطنية؟ 
 
 

كاتب سعودي