سيدي الكل يتيم

أنا الأمة المثقلة بأنواع الذنوب المرتمسة في شهوات هذه الدنيا اللعوب أكتب إليك سيدي ألفاظا لطالما اشتعلت بها رسائلي .طالبة منك النظر إلى هذا القلم النابض بين أناملي .حتى ما يخالجني شك في أنه لو وضع على إحدى رسائلي ميزان الحرارة لجاءت درجته في حرارة القلب.

تأتيك رسائلي باكية بين كفيك لا تلمني و لا تلمها إذ يدفعنا الشوق أن نكون أرواحا متجسدة.لا ترى حتى يلمس ما فيها.أحمل كلماتي مالا تحمله الرواسي من معان لطالما أبدعتها فيك. ساقية إياها تلك العواطف التي خلفها وجودك في أعماقي.فأنا لا أكون لولاك.و كما لا ينطق فم الإنسان من شفة واحدة كذلك لا بد للحب من اثنين ليتكلم فم الحقيقة بأجمل ما خط في مخطوطات العشق.

ما كتبت لك حرفا حتى تجليت في مرآة نفسي.نورا سندسيا يأسر القلوب و يحلق بالروح بين العوالم.من عالم الملك إلى عالم الملكوت .فأين أنا في مرآة نفسك؟ سيدي لطالما وجدت نفسك في نفسي و لكني مازلت أبحث عن نفسي في نفسك.واضعا بين النفسين مرآة اللغة علها تعكس مني و من بعضك أجزاءا و صورا تكون هي كلماتي.ثم أنفخ فيها الروح و أنثرها على وريقاتي.علها تسبح في نوم عميق لأنها وصفت بعضا من كل لا يوصف.و التذت برحيق من عشر معشار عشير  شهدك.فهنيئا لتلك الكلمات حين زاوجت أوهام العقول و نسجت خيالك في أزقة القلوب بعد مخاض طال أياما و ليال.

آه كم أحسدك كلماتي.فكم رأيته و رآك ؟سيدي لو رأيتني و أنا أتلوا رسائلي لرأيت أني لا اكتب لك كلاما بل أزرع في الورق زهر أنفاسي المثقلة بالزفرة و الأنين فأقرؤها عليك. لرأيت أنهارا من دموع شلت مياهها عن الجريان منتظرة لرياح عشقك. لو رأيتني سيدي لرأيت الذبول يكسوا ما بقي في وجهي من شفاه.و القذى يغمر ما بقى في محجري من عيون.لست وحدي بل كلنا نبتغي إشراق فجرك و رجوعك إلى أحضان قلوبنا.أنا و خلفي و أمامي و فوقي و معي و في باطن هذه الأرض من انتظر وصولك إلى محطة زماننا.فمتى تعود؟

كلنا في انتظار الفرج لا لدنيا طلبناه و لا لشفاء مريض أو قضاء حاجة أردناه لكنا علمنا أنكم بقية الله في أرضه و حجته على أهلها و أهل سمائه.ما أردناكم طمعا في جنة عرضها السماوات و لا خوفا من نار تتزاحم فيها الغرفات و لكنا وجدناكم أهلا لما خلقتم له و سفينة تحمينا من طوفان زماننا .وماءا معينا يروي كل ظمأ.فدعونا لكم بالفرج..

سيدي كم سافر بي الهوى و النفس و الشيطان إلى أوطان غيرك.و لكني لم أحتمل الغربة و جئتك هاربا إليك عالما بأنك مصداقا للعطف و اللطف الإلهي. إن قصرت فهاأنذا بين يديك خذ مني لنفسك حتى ترضى.جد علي مهما منعتك . سيدي من للعبد الآبق إلا مولاه؟و من للظمآن حين تبعده الأهواء عن حياض كرمك المشرعة؟

سيدي أما علمت عن نكبات العراق؟.و يتامى العراق؟ و عمائم العراق؟سيدي أما سمعت واعية الحسين بأصوات أهل سامراء؟أما رأيت عمامة جدك الخضراء و قبة أبيك بعد أن صيروها أشلاء و دماء؟أما رأيت المصاحف وسط السنة اللهب؟أما سمعت اهتزاز عرش الله بين السماء و الأرض؟أنا و من معي نبلغك السلام و نطلب منك العجل ؟أقدم سيدي فمياه بحوركم بالأمس صيروها دماء.

سيدي أعمانا البكاء و تقطعت بنا الأسباب و ضاقت الأرض و منعت السماء.و صارت كل أرض لشيعتكم كربلاء و كل يوم عاشوراء.اليوم الكل يتيم..

سيدي اليوم بكت طيور السماء و ناحت وحوش الفلوات. نناديك معا على اختلاف اللغة ولسان من بايعوا الحسين عليه السلام من أهل الكوفة قلوبهم معه و سيوفهم عليه.و لكنا معك أرواحا و أجساد  قلوبا و قوالب.أما السيوف فلا سيوف لنا.اظهر فأنت السيف لنا و نحن الغمد. أقدم فقد أينعت الثمار و حان قطافها .أقدم على جنود لك مجندة.خلقنا الله أجسادا تملؤها أرواح.أما اليوم فنحن جثث و أشباح ندمن النظر إلى ناحية القبلة.نسجد في محراب الصلاة متناسين حوائج الدنيا فأقدم سيدي فلم نعد نذكر سواك.

إن حجبت دعوانا فأين دعواك؟سيدي دعوتك بدعاء أخوة يوسف عليه السلام و قد رحمهم من تلك الجنايات حين وضعوه في غيابات الجب. عالما بظلمة السرداب ووحشة الليل.فان كنا غير مرضيين عند الله عز وجل و عند رسوله صلى الله عليه و اله و عندك عليك و على إباءك أفضل الصلاة فأنت أحق أن تسعنا رحمة و حلما و كرما و شرف شيمة مما وسع أخوة يوسف من تعطفه عليهم و رحمته بهم و إحسانه إليهم مخاطبة إياك بلسان حالهم..((يأيها العزيز مسنا و أهلنا الضر و جئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل و تصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين)).سورة يوسف آية 97

ألست القائل للعلامة بن طاووس في السحر في غيابات ذلك السرداب المقدس هذه الكلمات:( اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا و بقية طينتنا, و قد فعلوا ذنوبا كثيرة اتكالا على حبنا وولايتنا,فان كانت ذنوبهم بينهم و بينك ,فاصفح عنهم فقد رضينا,و ما كان فيما بينهم فأصلح بينهم و قاص به عن خمسنا و أدخلهم الجنة و زحزحهم عن النار و لا تجمع بينهم و بين أعداءنا في سخطك).

سيدي نحن الغافلين و لكنا محبين.نحن التائهين بين الظلمة و العتمة و لكنا مخلصين.جئناك أيها الوحيد الغريب نحمل عظيم بلوانا في عاصفة الذنوب.نزحف حينا و نعثر أخرى بظهور مكسورة و أيد قصيرة و أعين شابحة.نبتغي الوصول إليك .فأي أرض تقلك أم سماء؟

ان كنت ساخطا علينا فأعفوا عنا و استغفر لذنوبنا و أقدم.لو كنا على علم بمكانك لأتيناك نمتطي أسباب السماء. و نطير مع نسمات الهواء .

سيدي الكل يتيم إليك. نادمين معترفين بأننا كسرنا قلبك الرؤوف بحجر المعصية و نثرنا الملح على جراحك.و رقدنا رغم صراخك في سبات عميق.فما أقسى تلك القلوب في أقفاص صدورنا و ما أجرأنا على سيدنا .و لكننا اليوم قعود.فمتى الفرج؟

سيدي ألقيت نفسي في صحارى الشهوات الحارقة. فصارت تتقاذفني أمواج المعصية بلا رحمة.أصرخ بصوت مبحوح.و لكني الآن أفقت و أحرقت نفسي راجيا رضاك. عائدا إليك من مدن الخراب أتكئ على عصا أملي.مطرقا رأسي إلى قاع الأرض.أنظر إليك خجلا ووجهي من المعاصي مسودا .ساحبا بدني من تلال الغفلة أوقظه لحظات و إن نام أخرى.هاربا من رائحة الذنوب.

ولكن ..هل تقبلني؟؟

فبأي وجه أرفع رأسي لمحياك؟و بأي عين أنظر في عينيك؟و بأي لسان أخاطبك؟و بأي الحاجات أمد يدي إليك في القنوت؟

سيدي ضائعا خذ بيدي.كسيرا أجبرني.داميا داوني.ممزقا اجمعني. مهموما مغموما فرج عني. جائعا أشبعني.ظمأنا اروني..عريانا اكسني .يتيما أوني و جسدا روحني..

 

ولكن قف قليلا سيدي..فلست وحدي .بل الكل اليك يتيم.

 

و أخر دعواي..

اللهم عجل لوليك الفرج و سهل له المخرج.

 17-6-1428