انتبه: السفر والسقوط في المحظور

علي آل غراش *


 
 بدأت الإجازة المدرسية الصيفية الطويلة... ومعها انطلقت قوافل المسافرين إلى خارج الوطن لأسباب متعددة وبأسماء متنوعة تارة باسم السياحة الدينية، و تارة باسم الترفيه والاكتشاف والتعرف على العالم أو لأجل الاستشفاء، وأحيانا لأجل الهروب من الحر وتغيير الروتين،...أو حسب العادة السنوية.
 
هل يتم التخطيط مسبقا لهذه السفريات في تحديد الميزانية واختيار البلد المناسب؟
هل السفر السنوي لأبناء الخليج ضرورة أم ترف؟
هل يتم الاستفادة من السفر بشكل ايجابي أم انه باب للسقوط في السلبيات؟
كيف يتعامل الخليجيون مع الحملات الإعلامية للسفر والسياحة التي تستهدفهم مباشرة؟
هل السفر مجرد انتقال من موقع إلى موقع آخر فقط؟
كيف تنظر المرأة الخليجية للسياحة وماذا تريد، وكيف تحافظ على خصوصيتها بمراعاة خصوصية البلدان المحددة للسفر والمشهورة بالتحرر؟
ما هي السبل للوقاية من السقوط في براثين الشياطين الذين يحاولون استغلال المسافر؟
 
للسفر أهمية في حياة الشعوب ففيه فوائد كثيرة وان كان منها ما جاء (وسافر ففي الأسفار خمـس فـوائــد تفرُّج همِّ، واكتســـاب معيشــة وعـلم، وآداب، وصـحـــبــة ماجــد) والمجتمع الخليجي عاشق للسفر منذ زمن طويل في طلب المعيشة والرزق والعلم والمعرفة والأمن والأمان.. ومع الطفرة النفطية وزيادة الوعي والانفتاح على العالم أصبحت السياحة الخارجية وأخيرا الداخلية جزءا من حياة المواطنين الخليجيين الذين أصبحوا مستهدفين بشكل مباشر من قبل شركات السياحة العالمية بجميع الوسائل والطرق.
 
السياحة علم وصناعة يحتاج السائح إلى التعرف على خباياها، وان يضع الخطط المناسبة له، وتحديد البلد والوقت المناسبان، واستغلال العروض التي تطرح. كما ان السفر العائلي يختلف عن الفردي، والبلد الخليجي المحافظ يختلف عن البلد الآخر المنفتح، والبلد الإسلامي يختلف عن غيره، فكل بلد له خصوصياته وقوانينه وعادته وتقاليده..وعلى المرء مراعاة تلك القوانين والعادات.

فالمسافر سفير لمجتمعه ووطنه وأمته ولهذا عليه أن يحترم نفسه ويحترم مجتمعه ... عبر احترامه لقوانين وعادات البلد المحدد، وممارسة الطرق الصحيحة والسليمة، والبعد عن الممارسات الخاطئة التي تعطي صورة سيئة... أي لابد أن يكون بقدر المستطاع  نموذجا ايجابيا.

  • السياحة الدينية

السياحة تنقسم إلى عدة أقسام وكل قسم له أعداد وتهيئة وسلوكيات معينة: فالسياحة الدينية على سبيل المثال تختلف عن السياحة المعرفية والاكتشافية والترفيهية والمؤتمرات كما ان السياحة الاستشفائية لها أجوائها.

السياحة الدينية التي يقبل عليها عدد كبير من أبناء المنطقة ليست جديدة وليست مقرونة بزمن أو وضع معين فالشيعة في جميع أنحاء العالم يحرصون على زيارة المراقد المقدسة للنبي الأعظم محمد صلى الله عليه واله والأئمة عليهم السلام ومراقد الصالحين وكذلك المواقع التاريخية والتراثية والعلمية والثقافية والترفيهية  ذات البعد الإنساني والعلمي والحضاري.... التي تفتح الأفاق. كما ان السياحة الدينية الزيارة شعيرة دينية (رحم الله من أحياء أمرنا) وهذه السياحة الدينية أو الزيارة لمرقد النبي أو الأئمة التي تتوزع على عدد من البلدان المختلفة الثقافة تحتاج إلى تهيئة خاصة نفسية وروحية ومادية... ورسم للخطط والبرامج لكي يتم الاستفادة منها بشكل صحيح.   
 
هل السياحة الدينية (الزيارة) في هذا الوقت يتم الاستفادة منها بشكل صحيح في تقوية الجانب الروحي للزائر، واكتساب معارف جديدة، أم تقع خلالها أخطاء لا تناسب روح الزيارة؟
 
الإقبال الكبير من أبناء المنطقة على الزيارة الدينية للدول التي تحتضن المراقد الدينية في ازدياد ملحوظ لدرجة ان الزيارة الدينية تحولت أخيرا إلى صناعة، أدى الى بروز شركات متخصصة للسياحة الدينية تقوم بإعداد البرامج وحجز تذاكر السفر عبر رحلات الطيران أو الرحلات البرية والسكن والرحلات الترفيهية.
وعبر هذه الشركات وبفضل الوعي والحجز المبكر حقق عدد من الزوار فوائد عديدة.

  • صور سلبية

ولكن للأسف الشديد في السنوات الأخيرة شهدت الأماكن المقدسة حدوث بعض الصور السلبية والملاحظات والأعمال التي تخالف روح الزيارة من قبل بعض الزوار،  (إلى درجة أن بعض العلماء أشاروا لتلك التجاوزات في احد البيانات محذرين من استمرار وقوعها مطالبين التقيد بروح الزيارة) مما أدى إلى تشويه الرحلة الدينية وشيوع بعض الأجواء غير المناسبة  منها:

الإسراف في الإنفاق بدون تخطيط ... فالبعض يتباهى بالبذخ والصرف في السفر بالرغم من وضعه المادي الحقيقي حيث إن البعض يقترض مبالغ من البنوك أو من الآخرين، والبعض يبيع بعض ممتلكاته لأجل السفر... والمصيبة تقع بعد السفر حيث يدخل المسافر في أزمة مادية خانقة عبر الديون.

قضاء الوقت في السهر حتى وقت متأخر جدا في أعمال لا تناسب أجواء الزيارة، والنوم طوال النهار.. التسكع في الطرقات والأسواق بدون هدف مفيد، مما يؤدي إلى عدم استغلال الوقت بالتزود بالروحانية والأعمال المفيدة.. (وربما سقوط بعض الشباب من الجنسين في المحظور عبر أيدي غير محترمة، والتعرف على عادات غير حميدة...)  والسبب في ذلك يعود إلى عدم وجود برامج وخطط للسفر مسبقة، وافتقاد الوعي.

بعض الشباب من الجنسين وبالذات الفتيات يقعن في المحظور في التعامل مع أبناء البلد الجديد ... نتيجة عدم الوعي بالأمور الدينية، ونقص الخبرة في التعامل مع الآخرين في أجواء الانفتاح المختلفة عن أجواء البلد الأصلية، وعدم التثقيف الحقيقي بالمعلومات المفيدة عن البلد وعاداته، وعدم التزود بالتقوى حصن المؤمن (الورع والخوف من السقوط في المحظور).

بالإضافة إلى قضاء معظم الوقت في الأسواق، وشراء كل شيء مفيد وغير مفيد وكأن المجتمع يعاني من أزمة نقص في الملابس والمأكولات، وان السفر يعني التسوق والتسوق والتسوق ولا غير... متى يتم التزود روحانيا من هذه السياحة الدينية "الزيارة".

كما ان هناك أخطاء وملاحظات كثيرة تحدث خلال السفر بقصد او من غير قصد ومعظمها تقع بسبب الجهل.
 
إن هذه الأخطاء التي تتكرر في كل عام ما هي إلا دليل على وجود مشكلة، وعدم السعي إلى معالجتها بالطرق السليمة!
أول الحل الاعتراف بالمشكلة... وبعد ذلك إيجاد ورش عمل اجتماعية لرفع مستوى الوعي لدى أبناء المجتمع من جميع الشرائح عبر جميع الوسائل السمعية والمرئية والمكتوبة ومشاركة أصحاب العلاقة من علماء دين وأكاديميين متخصصين وكتاب وفنانين.

كما على من يريد السفر أن يحاول إيجاد إجابة مناسبة للأسئلة التالية:

لماذا السفر، ولماذا تم اختيار البلد المحدد، وما هي قوانينه وعاداته؟
ما الأعمال التي ينبغي القيام بها قبل السفر(التخطيط)؟
هل لابد من الاستعداد الروحي والنفسي قبل السفر، بالإضافة لتجهيز الأدوات اللازمة والضرورية في السفر؟
كيف يمكن تجهيز الأموال اللازمة للسياحة الدينية؟
هل يستحق السفر لمدة ايام محددة الدخول في ازمة مادية خانقة؟
ما الوسيلة المناسبة للسفر ماديا وصحيا وامنيا؟
ما هي حدود مسؤولية مكاتب السفر والسياحة (الشركات السياحية)؟
أيهما أفضل السفر بشكل جماعي عبر حملة أم بشكل فردي؟.
هل تم وضع البرامج المناسبة لجميع أفراد العائلة التي تتكون من الوالدين رجال ونساء و أطفال وأحيانا كبار السن.. فالسفر ليس لرب الأسرة فقط؟.
كيف يتم الاستفادة من السياحة الدينية بشكل صحيح؟
هل يعني السفر للخارج التخلي عن بعض الضوابط الشرعية؟.
ماذا تفعل المرأة المسلمة في البلدان المنفتحة لكي لا تصبح في موقع محرج، وبدون التنازل عن عفتها والتزامها الشرعي؟
ماذا يشتري السائح؟.
ما اللباس الأفضل في السفر للدولة المعينة؟
هل تم حجز موقع السكن المناسب قبل السفر لعدم الوقوع في مأزق والاستغلال؟.

  • وأخيرا

هل الزيارة مجرد انتقال من موقع إلى موقع آخر فقط "نوم واكل وسهر حتى الصباح ومضيعة للوقت، والتخلي عن القيود الاجتماعية والأعراف والتقاليد"؟

 

كاتب سعودي