مرض الأمة في عهد الإمام الحسين (ع)

اقرأ للكاتب أيضاً

إن دور الإمام الحسين يختلف عن دور أخيه الإمام الحسن , ففي عهد الإمام الحسن كانت الأمة الإسلامية مبتليه بمرض الشك في صحة المعركة التي قادها أمير المؤمنين ضد معاوية والتي كان الإمام الحسن يريد متابعتها بعد مبايعة الناس له.

ولكن في مرحلة الإمام الحسين ارتفع الشك عن المسلمين في صحة المعركة وشرعيتها , وإنها معركة الحكم الإسلامي العادل ضد حكم بني أمية الجاهلي , وليست نزاعاً بين بني هاشم وبني أمية على الحكم.

لقد شارك الإمام الحسين أباه في سنواته الخمس وهو يعالج الأمة قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة لعلها تنبعث فيها حياة أو تحمل في تاريخها أطروحة الانبعاث إذا أصرت حينذاك على أن تنسلخ من وجودها الرسالي.

ولم تنته السنة السادسة حتى شهد الإمام الحسين هذه الأمة تلفظ آخر أنفاسها بين يدي أخيه الحسن وتنزع عنها ما بقي لها من وجود رسالي , وتتحول إلى ركام من الناس يلقي بنفسه في فم الأمويين الكبير.

ولقد تلخصت نظرة الإمام الحسين بالنسبة لواقع المجتمع الإسلامي له بالحقيقة التالية : ( وذلك بعد النبي لم تكن تملك وعياً عقائدياً , وأن أقصى ما أفادته منه عاطفة رسالية أخذت تتضاءل بعد وفاته نتيجة للأخطاء والتقصيرات المتراكمة والمتلاحقة التي مارسوها عبر حياتهم العلمية والعملية , هذه التقصيرات والأخطاء التي قد لا يُحس بكل واحد منها على حدة ولكنها حين تتراكم تتحول إلى واقع فاسد ) (1) كما حدث في زمن يزيد.

هذه الحقائق هي التي دفعت الإمام الحسين لأن يخوض غمار معركة يائسة حتى ولو كان لا يرجى منها النصر العسكري , فالمعركة خاسرة لا محالة في حسابها العسكري , ولكنه استهدف بعمله هذا أن يهز ضمير الأمة وأن يعيد للإنسان المسلم همه الرسالي الكبير بعد أن غرق حتى أذنيه بهموم مصلحية صغيرة.

لقد أسرع الإمام الحسين بأخذ زمام المبادرة بعد أن أدرك أن المجتمع في ظرفه الحالي وتأثره الشديد بالتخدير الديني وخوفه من القمع المادي وخضوعه الطويل للحكام المستبدين , لا يمكن أن تنبعث فيه مفاهيم الرسالة بطرق الحوار الفكري أو الإقناع أو الخطب الحماسية فهو آخر شيء يمكن أن يؤثر فيه.

ولأن الأمة الإسلامية في عصر الإمام الحسن قد ابتليت بظاهرة الشك في القيادة فكان الصلح أسلوباً تسترجع معه الثقة , أما الأمة في عصر الإمام الحسين فقد ابتليت بفقدان الإرادة وتميعت فيها إرادة النضال وأصبحوا أذلاء مستضعفين , فهم يدركون بُعد الخليفة الأموي عن الإسلام , وأن الإمام الحسين هو القائد الحق ولكن إرادتهم كانت ضعيفة إزاء نصرة الإمام ( قلوبهم مع الحسين وسيوفهم عليه ).(1)

وقول الفرزدق تصوير دقيق ومعبر للمجتمع الذي وصل إليه الوضع الأموي بكل ما ملك من أسباب القوة والتشريد والتقتيل فكانت بوادر الخنوع والرضا بالوضع القائم.

إلا أن الإمام الحسين بكل ما حفل به من صفات وظروف مؤاتية أدرك أن تحريك الأمة وهزها لا يمكن بالخطب والكلمات بل لا بد من تحريك إرادتها المهزومة بفدية تتوهج بالدم مبرهناً على صدق رؤيته للحاضر والمستقبل بتضحيته الفريدة.

حيث أدرك الإمام أن قتاله العادل واستشهاده الفاجع هو الذي سوف يدفع الإنسان المسلم لإعادة النظر والتفكير الجدي في واقعه المعاش , فالإمام أراد باستشهاده الفاجع إيقاظ الإرادة المخدرة بفعل المذاهب الدينية المفتعلة ولكي تكون سوطاً لاهباً يدمي ظهور الحكام , وموقظاً بها تلك النفوس الغافلة لتقوم بمحاكمة واعية لذاتها إزاء نظرة الرسالة ويعينها في تحرير إرادتها من ظاهرة القلق والتردد الفكري وتفاقم شكلها في القيادة الحكيمة وهو بهذا يخرجها إلى مواقف ثابتة تأخذ أبعادها بوعي من تحديدات الشريعة الإسلامية.

(1) الكامل في التاريخ : ج3 ص264
(2)القول للفرزدق , تاريخ الطبري : ج4 ص290