بوح التراب

 هلا أعرت دنياك أذنا صاغية فتخبرك بما كان من أمر عظيم ما اعتادت الدنيا أن تحدثك عن مثله إلا قليلا بين جيل وجيل!

ـ هلا أعرت دنياك أذنا صاغية فتلقي إلى كيانك جميعا بخبرٍ عبقري ٍّحَمَلت منه في وجدانها قصة الضمير العملاق يعلو ويعلو حتى لتهون عليه الدنيا وتهون الحياة ورؤية الشمس المشرقة الغاربة، وحتى يندفع بصاحبه ارتفاعا فما هو من الآدميين إلا بمقدار ما يسمون بمقياس الضمير والوجدان؟

ـ هل عرفتَ من الخلق أميرا على زمانه ومكانه دانت له كنوز الشرق والغرب يطحن لنفسه فيأكل خبزا يابسا يكسره على ركبتيه، ويرقـَع خفـَّه بيديه ولا يكتنز من دنياه كثيرا أو قليلا.لأن همه ليس إلا أن يكون للمستضعف والمظلوم والفقير نصيرا، ينصفهم من المستغلين والمحتكرين ويمسك عليهم الحياة وكريم العيش، فما يعنيه أن يشبع ويرتوي وينام هانئا وفي الأرض« من لا طمع له في القرص» وفيها «بطونٌ غرثى وأكبادٌ حرى»

ـ هل سألت عن حاكم يحذر أن يأكل خبزا فيشبع في مواطن يكثر فيها من لا عهد لهم بشبع،وأن يلبس ثوبا ناعما وفي أبناء الشعب من يرتدي خشن اللباس، وأن يقتني درهما وفي الناس فقرٌ وحاجة، ويوصي أبناءه وأنصاره ألا يسيروا مع نفوسهم غير هذه السيرة، ثم يقاضي أخاه لمكان دينارٍ طلبه من مال الشعب من غير بلاء، ويقاضي أعوانه ومبايعيه وولاته من أجل رغيف يأكلونه في رشوة من غنيّ.

ـ هل عرفت إماما لدين يوصي ولاته بمثل هذا القول في الناس: «فإنهم إما أخٌ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق». أعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه.

وسواء ٌلدى الحقيقة والتاريخ أعرفت هذا العظيم أم لم تعرفه، فالتاريخ والحقيقة يشهدان أنه الضمير العملاق الشهيد أبو الشهداء علي بن أبي طالب.

«صوت العدالة الإنسانية وشخصية الشرق الخالدة»

وماذا عليك يا دنيا لو حشدتِ قواكِ فأعطيت في كل زمن عليا بعقله وقلبه ولسانه وذي فقاره؟  

بوح التراب

مُذ أفـَاقَ التـّـيهُ في أمْشـَاج طينِي
أفرعـَت تـَحـْكِي تـجـَاعـِيدَ الـيبـابْ
وجـِهاتي استوطنت يتماً تمَاهى
والمدى لا يحتويني
وارتعاشات الصـَّدَى في صرخَة الـجدبِ

اضطرابْ

وإذِ ارتاعتْ جُـــذوري...
رتــَّــلت وَلهَى تـنـاجـي وهْـدة النــُّور
على قـدسِـك تـرتـاحُ
تــُصـيخُ السمع في بـوح ِ التـرابْ

***

ديدنُ الأوجاع فـي رُوحي اصْطبـارْ
وحـنـينُ الرَّمـل نـارْ
هـا أنـا يـاشـعـلة التــَّكـوين مـدّتْ
ظـُلـمة التـاريخ في نـوري انـكسارْ

والنـهـــَـــــارْ

أرمدُ الشــّمسِ يــَعـيثُ الكـحلُ فـيها
ويـُحـيل الدّربَ في خـَطـْوي عِثـارْ

بـــــيْد أنــِّي

كـلـّما مادتْ غـصـونِي الذَّاوياتْ
هتـنتْ كـفـُّـك في وجهـي صـلاة ْ
تـغـسل الصـّمت وتـروينـي ابـتهالا ً
يـُغـرقُ الآفـاق أضـناها السَّرابْ

***

سيـّـدي

أيـّها العـملاقُ فـي دنـيا الـعبيدْ
يا ضـمير الـعدل
يا أسـطـورة النــَّهج الرَّشــيدْ
يا أذان الـفجر إن طـالـت لـيالي الإنـطـفـاءْ
هـاهـنا بوح ٌ مِنَ الإنِسان فاسمعْ
همهماتِ البوح ِ يا أذْْنَ السـّماءْ

بالدعــــاءْ

ضـوّعـتْ أنــفـاسَها ريْحانَ صدق ٍ
من شـذى ذكراك يتلـو
سُـورة الدّهـر دُنــُوّاً واقـتـــرابْ

مقتطفات من كتاب الإمام علي صوت العدالة الإنسانية لجورج جرداق.