عشرون قاعدة ... لنبدأ من جديد .. من أفكار الإمام الشيرازي ( قدس سره )
هوية الكتاب
اسم الكتاب : لنبدأ من جديد
المؤلف : آية الله العظمى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي ( قدس سره)
الطبعة الأولى 1420هـ 1999م ، مركز الرسول الأعظم للتحقيق والنشر
عدد الصفحات 96 صفحة من الحجم المتوسط
العظماء هم من ينظرون للحياة بمنظار واسع، وهم الذين يعون الحياة وعياً شمولياً، وهم الذين تعاملوا مع الحياة بما تمليه عليهم المبادئ والقيم الحقة.
والإمام الشيرازي ( قدس سره ) هو أحد عظماء التاريخ ( ليس تعاطفاً و لامدحاً ) وإنما الواقع يشهد بذلك والمستقبل سيسجل شهادات لهذا الرجل العظيم.
الإمام الشيرازي ( قدس سره ) هو ممن كان يدعو لفهم الحياة وذلك عبر خطبه وكتاباته، وقد بدا ذلك جلياً في العديد من التوجيهات التي كان يدعو فيها المسلمون لأن يفقهوا الحياة ويتعاملوا معها بالصورة الصحيحة لكي يبلغوا قمم التقدم والانتصار، ويعزي سبب السقوط والانحطاط لهذا العامل وهو إنعدام الوعي الحياتي حيث يقول ساحته ( إن أعداء المسلمين في أعلى مراكز القوة، وإن المسلمين في أحط مراكز الضعف ... ) ولكي يخرج المسلمون من هذا الوضع قام سماحته بالكتابة المتواصلة في هذا الجانب ووضع الحلول الناجعة لكل من يرغب في الارتقاء والخروج من عنوان ( التخلف ).
ومن بين مؤلفاته قدس سره كتاب تحت عنوان ( لنبدأ من جديد ) وهو عبارة عن عشرون قاعدة لإعادة النهوض بعد الكبوة التي أصابت الأمة ولإعلاء كلمة الإسلام والمسلمين.
القاعدة الأولى : عوامل الهزيمة وأسباب الانتصار
وتحت هذه القاعدة يتحدث قدس سره عن ضرورة استكشاف مواطن الضعف والهزيمة ومن ثم تحويل هذه المواطن إلى عوامل انتصار وقد ذكر قدس سره في هذا الجانب ضرورة معرفة مدى الإمكانيات التي يتحلى بها الأعداء في مقابل عدم الاستعداد الذي يتحلى به المنهزمون !!
وفي سبيل تحقيق الانتصار لابد من تحويل الأمنيات الفارغة إلى ساحات من العمل المتواصل الذي لا يعرف الكلل أو الملل، ولابد أن يتحلى المرء بمزيد من الطموح، وأن لا يكون مقلداً تقليداً أعمى حيث أن المتقدمون هم الذي يبدعون في حياتهم لا الذين يقلدون، كما لابد من التعقل في الأمور.
فإذا أخذنا بسائر أسباب الحياة، وسائر مقومات الرقي والتقدم يمكننا بعدها أن نحقق ما نصبو إليه.
القاعدة الثانية: لنبدأ من أنفسنا
ولعل سائل يسأل من أين نبدأ؟ إذا أردنا أن ننتصر ونجدد في الحياة ونتحلى بالوعي الحياتي فمن أين نبدأ؟
يجيب قدس سره على هذا التساؤل بقوله(إن التجديد يبدأ من نفس الإنسان، فإنه إذا لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه إصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به، الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والطبيعي وغيرها ، وقد قال سبحانه: ﴿ إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم﴾ فإن أوّل التغيير إلى الصلاح أو الفساد هو الإنسان.
القاعدة الثالثة: الحرية
حيث أن الحرية هي أساس البقاء ثم التقدم، كما إن الإنسان إذا لم يكن حراً لم يبق حياً فكيف يمكنه أن يتقدم؟. كما أن العمل للحياة لا يكون إلا بالحرية، و الحرية هي أوّل متطلبات العمل للإنقاذ.
ولأنه قدس سره قد شخص الداء بقوله: حيث أن الإنسان في الحال الحاضر في بلاد الإسلام أصبح أقل حرية حتى من الطير والوحش والبهيمة، فإنها تفعل كل ما تشاء لكن الإنسان لا يتمكن أن يفعل حتى عُشر ما يشاء!!. ) فإن العلاج ليس بالأمر الهين حيث يقول : (ولا يظن أن إعادة الحريات إلى بلاد الإسلام شيء يسير) ولكي نحقق الحرية يقول قدس سره : إعادة الحرية تحتاج إلى ملء النفوس بها والتواصي فيها حتى يطلبها الكل.
القاعدة الرابعة : العلم
فهو من أساسيات التقدم والنهوض ولأهميته تسعى مجتمعات الإستبداد لسياسة التجهيل حيث يقول قدس سره إن (مختلف وسائل نشر العلم في بلاد الاستبداد تحت الرقابة الشديدة ووضع القيود الصارمة عليها، وإن كان المنع عن هذه الوسائل بمختلف الأعذار، لكن الجوهر واحد، وهو سياسة التجهيل)
ولكي ينهض المجتمع لابد من إدخال العلم في كل بعد من أبعاد الحياة إنشاءً أو تحسيناً، كماً وكيفاً، وبذلك تكون البلاد آخذةً في الاستقلال.
القاعدة الخامسة : الصنعة
فهي من أسس التقدم للبدء من جديد، وقد دعا قدس سره إلى ممارسة الصناعة في مختلف نواحي الحياة، إلى أن نصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، حتى نصل إلى القمة التي وصلت إليها البلاد الصناعية بل وفوق ذلك .
القاعدة السادسة: الكرامة الاقتصادية
حيث ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يعيشوا حالة من الكرامة الاقتصادية لأنها توجب الكرامة الاجتماعية، وهناك عدة طرق لتحصيل هذه الكرامة منها: ممارسة الأعمال اليدوية، و الاهتمام ببساطة الحياة، و أن يعمل الإنسان كلّ شيء يتمكن عليه بنفسه.
القاعدة السابعة: تقليل الموظفين
يعلل قدس سره على هذه القاعدة بقوله: إن كل موظف زائد عن قدر الحاجة الضرورية الملحّة عامل لكبت الحريات.
ولكن كيف يتم تطبيق هذه القاعدة؟!
يقول قدس سره: تقليل الموظفين لا يكون دفعة واحدة حتى يوجب هزّ البلاد وإشاعة الفوضى، بل اللازم التقليل تدريجياً تحت إشراف لجنة من الخبراء، ونقل كثير من شؤون الدولة إلى الناس، فالدولة تبقى مشرفة فقط لإجراء العدالة الاجتماعية وتقديم البلاد إلى الأمام وحفظ الأُمة عن الأعداء، إلى ما أشبه ذلك.
ومن نتائج هذه القاعدة أنه وكلّما قلّ عدد الموظفين، انتقل الأفراد من الإستهلاك إلى الإنتاج، ومن الكبت إلى التحرر، ومن صرف المال على الموظفين إلى توفيره، مما تقلل الضرائب إلى أن تصل إلى الضرائب الأربع المقررة في الإسلام فقط.
القاعدة الثامنة : مداراة الناس وملائمة الزمان
ومعنى ذلك أن يعرف الإنسان أن كثيراً من الناس يملكون طبائع وأذواق مختلفة يمكن أن لا يكونوا كما يحب أو كما يراه صالحاً، وأنه لا علاج في حالات كثيرة إلاّ بالمداراة والملائمة والرفق .
القاعدة التاسعة: معنى التوكل
كثيراً ما يختلط الأمر على الناس فيتصورون أن التوكل معناه عدم تسبيب الأسباب وعدم الأخذ بالطرق التي جعلها الله سبحانه للأشياء، فيقعدون عن الأسباب ويرجون النتائج.
فالتوكل من لوازمه العمل بالأسباب الكونية التي جعلها الله. إن من شأن التوكل هو أن يكل الإنسان ما ليس بيده إلى الله سبحانه وتعالى.
القاعدة العاشرة: الارتباط المستمر بالله
ومما يجدّد حياة الإنسان ويحافظ على توازنها: (الارتباط المستمر بالله سبحانه) ، فإن الهيجانات والاضطرابات قد تطغي على حياة الإنسان فتمثل جانب الإفراط فيها، وكذلك الجمود والسكون والبلادة تمثّل جانب التفريط فيها، وهذه كلها تعادل وتوازن بسبب الإرتباط بالله سبحانه.
والمتصل بالله سبحانه تتجدد حياته على طول الخط، بينما غيره قد يحصل وقد لا يحصل على شيء.
القاعدة الحادية عشرة: التخطيط ضرورة
وهو أن يحدد الهدف المطلوب الذي يريد الوصول إليه وكمية وكيفية المقدمات الموصلة إلى ذلك الهدف.
وتأتي أهمية التخطيط في الأمان من الوقوع في الأخطاء، وفي حالة الوقوع في الأخطاء ينبغي إصلاحه فوراً. ولكنه ( التخطيط) ليس بالأمر السهل سواء في حياة الفرد أو حياة الجماعة ولهذا فإن التخطيط بحاجة إلى الخبراء النزيهين الذين يهمهم الهدف ويَتُوقون شوقاً للوصول إليه. كما ينبغي أن يكون المخطط ومن يرغب في الحياة السليمة أن يكون مراقباً لمشروعه، وتوقع المفاجآت في طريقه وعليه في هذه الحالة أن يلاحظ أيهما أهمّ حتى يقدمه على المهم، رعاية لقانون الأهم والمهم.
القاعدة الثانية عشرة: الزواج المبكر
لأنه ضمان من الفساد والكآبة والقلق والمرض.
وقد ذكر قدس سره في هذا المجال أسباب تأخر الزواج وكثرة العنوسة وبعدها ذكر الحلول لهذه الأسباب.
القاعدة الثالثة عشر: إسعاد الآخرين
حيث أن (إسعاد الناس) لا يوجب سعادتهم فحسب بل سعادة المُسعد أيضاً، وهذا من أهم ما يجدد الحياة، فإن الله سبحانه ربط النفوس بعضها ببعض، فسعادة بعضهم توجب سعادة الآخرين، وبالعكس.
والإسعاد يكون: بالكلمة الطيبة، والمواساة، والتسلي، والخدمة، وبذل المال، وقضاء الحوائج، والسعي في شفاء المريض منهم، وتزويج العازب والعازبة، وإسكان من لا سكن له، وإكساء العاري، وإنعاش الفقير، ورفع نكبة المنكوب، والأخذ بيد المعوّق حسب الممكن، ورعاية الأرملة واليتيم.
وفي هذا المجال يدعو قدس سره إلى تكوين المنظمات والهيئات والجمعيات لأجل قضاء الحوائج سواء كانت عامة، أو في بعد خاص من أبعاد الحياة.
القاعدة الرابعة عشر : وحدة الصف
يقول قدس سره في هذه القاعدة إن عقليّة (جمع الكلمة) ثم تطبيقها على ساحة الواقع، من أهم ما يتحلى به القادة الذين يقدمون الأُمم إلى الأمام.
وحيث أن (وحدة الصف)، لها آثار عظيمة، والأثر العظيم لا يكون إلا بمقدمات ومبادئ عظيمة (فإن النتائج من جنس المقدمات) فاللازم أن يهيء الإنسان في نفسه تلك المبادئ والمقدمات، والله تعالى يسنده إذا سلك طريق الرشاد واستمد من فضله السداد.
القاعدة الخامسة عشر: كيف تواجه المشاكل؟
فمن يريد تجديد الحياة لابد وأن يلاقي في كل خطوة مشكلات..، فاللازم عليه :
التصميم والعزم، وأن يستمرئ ما يلاقيه، وأن يصبر حتى تحل المشكلة، وأن يدفعها بالتي هي أحسن، وأن يتحلى بالحلم.
كما أن المشاكل دائماً تلتطم بالإنسان من كل جانب، وغالباً ما يرتطم الإنسان فيها، إذا لم يراع الدقة الأكيدة في التخلص أو التقليل منها، وذلك يحتاج إلى المراقبة الدائمة واليقظة الكافية والاستعانة بالله فإنه نعم المولى ونعم النصير.
القاعدة السادسة عشر: استثمار الطاقات
إذا نظرت اليوم إلى أغلب المسلمين رأيتهم من أخسر الأمم، مع ما عندهم من المبادئ الراقية، والنفوس البالغة مئات الملايين، والمناطق الاستراتيجية، والأراضي الخصبة والواسعة ، والمياه الكثيرة، وما إلى ذلك .. ويعود سبب هذا التأخر إلى عدم استثمار الطاقات، أو استثمارها بطريقة خاطئة، أو هدرها، في حين لو أن الإنسان إن استغل طاقاته أفضل استغلال يأتي بالمعجزات العرفية.
القاعدة السابعة عشر: تجديد الفكر
ذلك لأن الفكر المتخلف هو من أسباب الإنحطاط والسقوط ولهذا فاللازم على من يريد تجديد حياته وتقديم نفسه إلى الأمام، أن يجدد في فكره أيضاً.. وأن يفكر في أفضل الأعمال وأرفعها، في الدنيا والآخرة، ثم يقدم خطوة خطوة فإنها معدات الوصول إلى الهدف.
القاعدة الثامنة عشر: التشجيع وإراءة الطريق
كما لا يخفى أن للتشجيع وإراءة الطريق أكبر الآثار في التقديم، فرداً أو جماعة أو أمة، وهو من لوازم تجديد الحياة، حيث أنه يرفع من المعنويات ويشحد الهمم، ويفجر الطاقات.
القاعدة التاسعة عشر: بين الأهداف والأهواء
هناك فرق بين من يريد من عمله الأهداف المقدسة وبين من يريد الأهواء والأضواء والإشتهار، فمن يريد الاشتهار وأن تسلط عليه الأضواء لا يمكنه أن يجدد الحياة، ولا يصل إلى الهدف.كما أن صاحب الأضواء يكون هدفه نفسه، بينما صاحب ومريد الهدف يكون هدفه خارج نفسه.
ومن يريد التقدم والهدف الرفيع لابد وأن يتجنب الأضواء والأهواء ، لا أن يكون حيادياً عنها ـ فحسب ـ فإن الشهرة آفة ومن يريد تجديد الحياة لا يتطلبها.
القاعدة العشرون: الفهم الصحيح للحياة
فعلى من يريد تجديد الحياة.. حياة نفسه أو حياة جماعة أو حياة أمة: أن يفهم الحياة كما هي هي، فيواظب حتى لا يكون ممن يفهما هامشياً أو مقلوباً.
ذلك أن عدم الفهم الصحيح أو عدم استيعاب حقائق الحياة لا يوجب إلا المزيد من التخبط والتأخر عن مسيرة التقدم، والمزيد من المشاكل والفوضى في مجمل الحياة.
وبهذا يكون قدس سره قد رسم برنامجاً متكاملاً للخروج من عنوان التخلف والجمود إلى ركب التقدم والسمو والرفعة.
وحريٌ بالمجتمعات والتجمعات أن تستضيء بهذه الأفكار وتسعى جاهدة لأن تطبقها أو بعضاً منها على مجمل حياتها لتلتحق بركب التقدم والمجد.