وقفة مع النفس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم
السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَةُ الله وَ بَرَكَاْتُه
تؤرق المرء صيحات الضمير حين تدعوه لتغيير بعض صفاته ، ويعترف بالحقيقة ، ويتمنى لو يتمكن من انتزاع الصفات الذميمة من داخله ،لكنه يرى عجلة الأيام تـجري دون أن تـترك له فرصة لمعالجة هذه الأدواء واقتلاعها ..
يتمنى الواحد منا أن يغير نفسه ويتخلص من بعض صفاته ، ولكن الأيام وتوالي المشاغل والأحداث لا تدع له فرصة الخلوة بالنفس والتفكير في الذات والتخلص من شوائب الحياة التي علقت بالنفس الأولى
النفس الأولى الطاهرة التي ولدنا بها .. نفس الطفولة البريئة التي تتصرف بعفوية وبراءة
هذه النفس بدأت تتراكم عليها شوائب الشهوات وعوالق الخصومات ،وتحبسها أغلال الرغبات .. متى نتوجه لها ونبدأ عملية الإصلاح الداخلي ؟ !
إننا نقف طويلاً أمام المرآة لإصلاح مظاهرنا الخارجية ونتنبه لكل صغيرة وكبيرة في صورنا وحواجبنا ورموش أعيننا وقشور شفاهنا .. لكننا نغفل الحقيقة والجوهر !!
نتخير مطعمنا ومشربنا بدقة متناهية ، فنتأكد من صلاحية العلب الغذائية ونفحص الأسماك واللحوم ونغسل الخضار والفواكه قبل أن ندخلها جوف الجسد ..
وفي المقابل ندع جوف النفس مفتوحاً على مصراعيه ، نُدْخِلُ فيه كل ما هبَّ ودبَّ ..
الصور التي تشاهدها العين تنطبع في النفس و ( القلب مصحف البصر ) يسجل كل ما تراه العين .
نحن نفرق بين الفاكهة السليمة والفاكهة المتعفنة ،ونتغافل عن الصور المتعفنة التي ندخلها للجوف فتعمل عمل الفيروس المدمر للصفات الجميلة بداخلنا ..
نستمع إلى أي حديث ونتلفظ بأي كلام ، فتشترك هذه المفردات في صياغة الذات وبناء الصفات ..
أنا وأنت مكون من جزيئات صغيرة متركبة من كل الحركات والسكنات التي نؤديها والكلمات التي نتلفظ بها أو نقبلها والصور والمشاهد التي نُقبل عليها أو نرفضها ، ومع مرور السنوات تتشكل الشخصية التي لا تنفك عن عادات وصفات تحولت إلى طوب صلب في جدار النفس ، وكلما مرت الأيام ازدادت العادات تصلباً والصفات تجذراً وازدادت صعوبة التغيير ..
وهنا تأتي أهمية النفحات الإلهية في المواسم الدينية .
اليوم ونحن في شهر رمضان المبارك تتهيأ النفس للتغيير ويلين القلب للموعظة وتحلق الروح في سماء الفضيلة ..
فهل نستغل هذه الفرصة العظيمة لنبدأ التغيير ؟ !