العقلية الاقصائية ..
الكل يشتكي من الممارسات الاقصائية وكما يقول العرب "كلٌ يجر النار إلى قرصه" ، فالإسلامي المتفتح يشتكي من الإسلامي المتزمت والليبرالي يشتكي من الإسلامي المتشدد وكأنما كتب على الإنسان أن يعيش ضمن دائرتين دائرة داخلية تمثل مجموعة تجاذبات ونزعات ربما لا تجمعها حتى شعرة معاوية ودائرة خارجية لا تمثل بالضرورة نمطاً من أنماط الصراع " نظرية صراع الحضارات " فربما تعبر عن سوء فهم وعدم قدرة على التفاعل الحضاري أو حالة عجز أو عقم ثقافي أو حالة تشويش ذهني أو مغالطة في المفاهيم أو صراع مصالح أكثر من كونه صراع قيم ومبادىء وهنا في الضمن لا بد أن تكون هناك ثنائية في التفكير والممارسة ففي الوقت الذي يتسلح فيه الإنسان بامتلاك البصيرة الراسخة ذات الامتدادات التاريخية والفكرية المتجذرة في العمق الإنساني والديني يجب أن تصاحب هذا التوجه قدرة على الانفتاح الفكري والثقافي وتفعيل للمشتركات الإنسانية وهذا هو عين عبادة الله وذات الهدف الأسمى الذي خلق الإنسان من أجله فمن لا يحترم حقوق العباد كيف سيحترم حق الله وهو الذي يقول ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾ (20) سورة الإسراء .
مشكلة البشر هي الخلط بين التصور النابع عن قناعة وبين الممارسة نتيجة ادعاء امتلاك الحقيقية وتمثيلها بشكل حصري وهنا ليس من حق أحد ادعاء امتلاك الحقيقة الكاملة كما كان البعض ممن يدعي حق التمثيل الحصري للشعب الفلسطيني ويتحرك باسمه وهذا الادعاء سالب بانتفاء الموضوع لان الكل شركاء في الحقيقة في هذه الحياة بيد أن ما نشاهده في عصرنا الحاضر هو اختلاط حقوق الجلاد بالضحية ليس في الصورة الظاهرة فقط بل في التفاصيل والقواسم المشتركة في الفكر والسلوك لان حق العيش والكرامة هما هدف وليس معيار ، قد نشاهد هولكست متكررة تستثمر في هذا الاتجاه أو ذاك لتعزيز المطالبة بالديمقراطية مثلاً على اعتبار أن حجم الظلامات للبشر يسوغ ما يوازيها من الاستحقاقات سواء عن طريق التعويض المادي أو المعنوي مما يوجب حالة من الاستئثار والامتيازات والتفضيل على أي طرف آخر في الوقت الذي يجب أن تبتنى فيه الاستحقاقات على أساس البواعث والمعايير الإنسانية الشاملة التي وجد على أساسها الإنسان كرسالة في هذه الحياة وإلا أصبحت النظرة الجزئية مبتسرة ليس بمقدورها أن تستوعب المعطيات والطاقات الإنسانية الخلاقة بشكل عادل بحيث تحقق العدالة في الطرح والأسلوب ، والعدالة هنا لا تعني المساواة والمشاكلة بل تعني أعطاء كل ذي حق حقه .
وبصريح العبارة نتساءل هل إن حجم ظلامة معينة على جهة ما تخول لتلك الجهة أن يتحولوا لشعب الله المختار ؟
من الطبيعي أن الناس متى ما شعروا أنهم متساوون في الحقوق بموجب المعايير الإنسانية الأولية التي تتلائم ومكوناتهم الفطرية والنفسية وبقدر ما وهبهم الله من الطاقات لتحقيق تكافئ فرص متساوية في التفكير والعيش متى ما تحققت منظومة العدالة فالعدالة ليست مجرد شعار أجوف نطنطن به ليل نهار أو نستورده كما تستورد أي سلعة ، العدالة حق يأخذ ولا يوهب وواهم من يظن أن العدالة تقدم على طبق من ذهب صحيح أننا يجب ألا ننظر بسوداوية ولا بتفاؤل مفرط للحياة ولكن على الأقل نكون مدركين لما لنا وما علينا وهذه النظرة تحتاج إلى زمن تتبلور فيه الخطوات العملية التي تضعنا على المحك مع الواقع بحيث لا يكون الاستسلام للأمر الواقع هو المعيار الذي يضعنا على شفير النهايات فالشعوب التي تفكر بمنطق خلاق وتتسلح بالوعي والسعي الدءوب لرسم مستقبلها بيدها ، بإرادتها مع الأخذ بما يحيطها من متلازمات لهي شعوب جديرة بأن توهب لها الحياة .
أما أصحاب العقلية الاقصائية الذين لا يرون إلا بعين واحدة ولا يفكرون إلا بلون واحد ويعتقدون أنهم وحدهم المخولون بمحاسبة العباد وكأنما وهبوا أنفسهم حق التشريع وحق تقرير مصير العباد وهذا حق إلهي قبل أن يكون حقاً بشرياً لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يخول الإنسان كائن من كان نفسه الصلاحيات الإلهية اعتماداً على نظرات ضيقة .