سيهات : في أمسية بنادي الخليج بسيهات "لحن وقافية" تحلق بالحضور وتطوي جيل الأمسيات الرتيبة
جعفر الجشي- سيهات - استطاع مهرجان سنابل الخير بسيهات أن يحقق نجاحاً ملحوظاً في الأمسية التي أقيمت مؤخراً ، حيث ضم نشاطين في آن واحد أحدهما اجتماعي (مهرجان الزواج الجماعي) كأول بادرة في هذا المبنى، وأمسية شعرية لشاعرين شابين قدما أجمل ما لديهما من قصائد حيث استطاع الشاعران حبيب المعاتيق وياسر الغريب أن يقدما قصائد متنوعة بين اجتماعية وغزلية وروحانية حلقا بالحضور في أجواء أضفت عليها الموسيقى المصاحبة بعداً آخر أكثر عذوبة، وذكر بعض الحضور بأنه على عكس الأمسيات الشعرية التي حضروها سابقاً فإنهم لم يشعروا بمرور الوقت . وعلق أحد الحضور بأن الموسيقى كانت متناغمة مع القصائد التي ألقيت، بحيث أنها كانت شريكة للنصوص الملقاة، وساهمت في استيعاب ومتابعة الإلقاء بشكل متواصل، مما حدا بالبعض أن يطلب إعادة بعض الأبيات أكثر من مرة ، أما العرض البصري للنصوص فقد واكب الإلقاء لحظة بلحظة وكان عاملاً مساعداً لتلقي النص بطريقة أخرى.
عنونت الأمسية بـ (لحن وقافية) وأدارها القاص فاضل عمران الذي بدأ الأمسية بطريقة روتينية في التعريف بالشعراء، لكنه تجاوز النمطية المعهودة فكان محايداً وابتعد عن دور الشرطي الذي يوقف الشاعر عند نهاية كل قصيدة ويقدم للآخر، فكانت الأدوار تتنقل بين هذا الشاعر وذاك وكأنها مبارزة شعرية، إذ ما إن ينتهي الشاعر الأول من قصيدته حتى ينبري الشاعر الآخر... وهكذا، واستبدلت المقطوعة الموسيقية عند جولة تبعاً لتغير النص ، فكان اختيارها بحسب أغلب الحضور موفقاً، إذ جاءت كلاسيكية هادئة ومحفزة على الاستماع أكثر منها ملء فراغ.
الشاعر حبيب المعاتيق قرأ العديد من القصائد وأمتع الحضور بها، ومنها قصيدة (فرات) ويقول فيها:
تمتمت..
ولدت في ساعة..
والمواويل على ثغرك تغري الكلمات..
وعلى ثغر لياليك
تراتيل عذاب
عرجت كالمصطفى
محفوفة بالصلوات..
ربما ذات مساء
داهمتك الريح ظمآنا
تناغي النجم
والأحلام غرثى والتصاوير موات
تتملى الليل حراناً
وإشعاع الأماني بين كفيك فتات..
كانت هذه القصيدة بمثابة إهداء إلى طفلة اسمها فرات كانت قد ولدت في ليلة ما من ليالينا القمرية التي جعلت الشاعر يجنح بكل هذا الفيض من المشاعر الدافقة، والتي أهداها لتلك الطفلة في ليلتها لتنعم بهذا الحب وهذا الدفق الشعري، فتجلى له أبيات حلقت بالمستمع إلى أجواء الطفولة والبراءة..
وربما كان الأب لا يحلم بهذه الأعطية السماوية فقد كانت بالنسبة إليه مجرد حلم جعلت الشاعر يختم بقوله:
لم يكن يخطر في حلمك
أن تعطى (فرات)
وفي قصيدة (مخاض من نوع آخر) يرثي فيها الشيخ أحمد ياسين.. يقول فيها:
ما لهذا الطاعن
المولود تواً
هدهدته القاذفات
في احتفال
وزعت أشلاءه حلوى
تلقتها مع الفجر الأباة
عندما..
ذات مخاض
خشعت في مهده الدنيا
وماكان التفات
هكذا من رحم الفجر تجلى
وتجلت بين كفيه الحياة..
هكذا خاطب الشاعر (الشهيد أحمد ياسين) مصوراً إياه وكأن الدنيا بالنسبة إليه شيئاً غير ذي بال لدرجة أنها خشعت وصارت كمهد صغير، وكأن الحياة رسمت له وتجلت بين يديه لتغدو غير ذات بال.. وهو مااستطاع الشاعر أن يرسمه للقارئ بكل شفافية ووضوح، مما جعل التفاعل مع هذه القصيدة بشكل كبير من الجمهور، وربما كانت الموسيقى أيضاً لها دور كبير هناك كما في غيرها لتسبغ طابعاً روحيا فهي رسالة من القلب إلى القلب.
أما الشاعر ياسر الغريب فقد القى العديد من ابداعاته ومنها قصيدة (الحكم بالعشق المؤبد) وفيها يقول:
أسماؤنا
من فرط مانهواك ننساها
وندخل في فضاءات (الأنا العليا)
ونجري مثلما يجري الأثير
والعشق حين يتيه ما أحلاه
هانحن نفترش السماء
سجادة زرقاء خالصة الصفاء
والأنجم انتظمت
بأيدينا كمسبحة الصلاة..
فالشاعر هنا يحاول أن يقدم صورة روحية خالصة لكنها محلقة في فضاء الخيال الشعري، بحيث تكون مناجاته بدون وسيط.. بينه وبين السماء سجادة زرقاء صافية بعيدة عن الرياء وبعيدة عن الوساطة، فهو بينه وبين الله آصرة قوية، وتغدو الأنجم حينها لكثرة ما يتأمل بها ويجعلها سلماً للسماء بمثابة المسبحة التي تنتظم بين يديه وتتواصل حبة حبة..
هكذا هو العشق الإلهي..
إذا.. إذا كان كذلك عشقه، فإن ليس بمستغرب أن تكون نهايته بهذه الطريقة
وما أحلى المسير إليك يارباه
الله يا الله يا الله..
وفي قصيدة (هكذا يغني الفقير)يقول الشاعر ياسر الغريب
غني بفقري
أرقع ثوبي العتيق
بما يستجد من الحسرات
وطورا بزهدي
وطورا بقهري
وأفنى وأحيى بأغلال حالي
وأعشق أسري
وأرضى بما قسمته السماء..
قصيدة تطفح بسيمفونية الزهد والقناعة، فنادراً ما نجد في أيامنا هذه فقيرا يقنع بما قسمه الله له، إذ أن إيقاع الحياة العصرية تجعله يتناسى صفات الفقر الروحية وإن صح التعبير الصمودية والتي تجعله لا يتنازل عن أن يكون عفيفاً مهما تكالبت عليه المشاكل والهموم. وحاول الشاعر بالإضافة إلى ذلك أن يجعل المتلقي يكون قريبا من الصور الاجتماعية المتنوعة، فليس كل هذه الحياة مليئة بالورود وبالصورة الراقية والبعيدة عن الآلام، فلا بأس بدقائق مع الألم والتعايش مع قسوة الحياة..
هذه الصور جعلت الشاعر يختتم بقوله:
تغرب خبزي، وكسر مائي
وحوصر تمري
وهذا أنا رغم ما بي
غني بفقري
هل هي صورة مثالية يرسمها الشاعر.. ربما لكنها قد تكون حقيقية موجودة في واقع الحياة.. نحن نحتاج فقط لكي نقف ونتأمل بعضاً من هذه الصور..
لم يكن هناك ما يكفي من الوقت للمداخلات فقد مر سريعاً واختتمت الأمسية بتكريم سبعة عشر من شعراء سيهات.