مجلس أهل الذكربالاوجام يستضيف العلامة العوامي
أقامت لجنة (مجلس أهل الذكر ( القرآنية بالأوجام احتفالها بمناسبة تخريج دفعةٍ من طلابها، الذين أنهوا دورات قرآنية في التلاوة والتجويد، هذا الاحتفال الذي تزامن إقامته مع (يوم القرآن) الذي دأبت مناطق القطيف وللسنة الرابعة على التوالي على إحيائه في آخر جمعةٍ من شهر شعبان المعظم، وكان من بين فقرات الحفل الندوة القرآنية التي أُستُضيف فيها سماحة العلامة الشيخ فيصل العوامي دام عزه ، والتي كانت تحت عنوان (ملاحظات حول تفسير القرآن الكريم) وذلك في صالة الجمعية بالأوجام مساء يوم الأربعاء الموافق 29/8/1425هـ.
فبعد التعريف بسماحة العلامة الشيخ العواميدام عزه أفتتح سماحته الكلمة بالآية الكريمة: "قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين" (المائدة/15)، وفي البدء أشار إلى ملاحظةٍ مهمةٍ ينبغي التوقف عندها، هذه الملاحظة تتلخص في أن كل من يتأمل روايات أهل البيت عليهم السلام يصل إلى نتيجةٍ مفادها أن هناك كمّاً هائلاً من الروايات التي وردت في بدايات الدعوة الإسلامية والتي كانت تحث وتشجع على التمسك بالقرآن الكريم والتدبر في آياته المباركة، وكأنها بذلك تدفع نحو القرآن بكل قوة، حتى كانت نتيجة ذلك الحثِّ أن اندفع المسلمون بكل طوائفهم إلى دراسة القرآن تلاوةً وحفظاً وتدبراً، وعُقدت لذلك الحلقات والدروس التي كان يشارك فيها أعدادٌ كبيرة من طلاب العلم القرآني.
لكن في المقابل، يُلاحظ أن بداية القرن الثاني الهجري والذي تزامن مع عهد الإمامين الصادقين عليهما السلام بدأ يشهد صدور طوائف من الروايات التي قد يظهر منها تعارض مع روايات العصر الإسلامي الأول، أي أنها تحث على عدم التعامل مع القرآن الكريم، من أمثال "إنما يعرف القرآن من خُوطب به"، هذه الروايات التي بدأت تُشكِّل موانع تصدّ عن الاسترسال من التعامل مع القرآن الكريم، في قبال الطوائف الأولى التي كانت تدفع في الإتجاه الآخر "فعليكم بالقرآن"، وعلى أثر ذلك انقسم العلماء إزاء هذه الروايات إلى طوائف أيضاً، فبين من يدفع إلى التعامل مع القرآن بلا قيدٍ ولا شرط، وبين من يمنع عن ذلك، وبين هؤلاء وهؤلاء، ظهر رأي توفيقيٌّ، وهو إن أهل البيت عليهم السلام أرادوا من كل إنسان أن ينفتح على آيات القرآن، ويتفاعل معها، ولكنهم عليهم السلام أرادوا ذلك بشروط وضوابط تنظِّم عملية التعامل هذه، لئلا نقع في المحذور، المتمثِّل في التفسير بالرأي والهوى، وبالتالي الدخول إلى نفقٍ مظلم.
الضوابط:
1 - إن التعامل الصحيح مع القرآن الكريم يبدأ من روايات أهل البيت ، فهم عِدْل الكتاب وترجمانه والسبيل الأرقى لفهم دقائق الآيات القرآنية، تلك الدقائق التي قد تخفى على كثيرٍ منا في كثيرٍ من الأحيان.
2 - وقد أشار أهل البيت إليه أيضاً، وهو (العودة إلى القرآن نفسه) والذي يتعارف عليه الكثير بتفسير القرآن بالقرآن، وإن كان التعبير الأدق والذي ورد عن أهل البيت هو تصديق القرآن للقرآن، كما في كلمة لأمير المؤمنين الإمام علي في نهج البلاغة، حيث يقول: "إن هذا الكتاب يُصدِّق بعضه بعضا..."، وذلك لأن هناك بعض الآيات المضغوطة والتي تحتاج إلى فكٍّ، ومن سُبُل فكِّها اللجوء إلى القرآن نفسه، كالقصص القرآنية -على سبيل المثال- التي تضيء كثير من جوانب الآيات المضغوطة.
بعد هذه الكلمة فُتِح المجال أمام النقاش، ومن بين الأسئلة التي طُرحت:
لماذا أمر الإمام علي ابن عباس ألا يجادل بالقرآن ولا يحتج به، وإنما يجادل بالسنة الصحيحة الثابتة، باعتبار أن القرآن الكريم حمَّالٌ ذو وجوه؟
فكان جواب سماحته: أن الإنسان حينما ينفتح على القرآن الكريم فإنه يستظهر منه معنىً من المعاني قد لا يستظهرها إنسانٌ آخر، من هنا كان على المجادل الذهاب إلى التفاصيل والتي توجد في كثيرٍ من الأحيان في الروايات لا في الآيات، وهذا ينسجم مع الطرح الذي أشرنا إليه من ضرورة التمسك بالروايات إلى جانب التمسك بالقرآن الكريم.
هل ترْك التفاصيل في القرآن الكريم للقصص القرآنية يمكن اعتبارها سمةً عامةً؟
هناك الكثير من التفاصيل والأحكام الشرعية التفصيلية التي لم تردْ في القرآن الكريم، وربما كان هناك إجمالٌ كبير في الآيات القرآنية؛ ليكون لدينا سعةٌ للعودة الدائمة للقرآن الكريم باعتباره يحمل الخطوط الرئيسة العريضة.
كيف يُستدل على فهم القرآن الكريم والذي هو قطعيُّ الصدور، بالروايات التي هي ظنية الصدور؟
فِهم الروايات في كثيرٍ من الأحيان يعتمد على الفهم العام للآيات القرآنية، وهذا الفهم هو الطريق لفهم الرواية بشكلٍ دقيق، وبالتالي يكون البدء بالقرآن لا بالرواية.
وفي حال ظهور التعارض المستحكم بين الآية والرواية –وإن كانت صحيحة السند- فإننا نترك الرواية ونتمسك بالآية، ثم إن سيرة العلماء الممضاة من قِبل أهل بيت العصمة هي جواز الأخذ بالروايات المعتبرة لتفسير الآيات وهنا لا تعارض.
كيف عُرف تفسير القرآن زمن الرسول أو المعصوم بشكلٍ عام؟
الظاهر أن التفسير زمن المعصوم كان بدائياً غير معقد، وذلك لأن ذهنية الإنسان المسلم كانت بسيطةً غير معقدةٍ، أو مشوّهة بالثقافات الأخرى المتعارضة مع المنهج الإسلامي.
هل هناك من التفاسير ما يمكن أن يقال عنه (أفضل تفسير)؟
كل تفسيرٍ له منهجه ومنحاه الخاص، وفي العالم الشيعي يُشار بالبنان إلى تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي، أما في العالم السني ففي المقدمة يقف تفسير مفاتيح الغيب للرازي، لكن لا بدّ من الإشارة إلى أن الكثير من التفاسير إنما جاءت لتسدّ النقص الذي لم يعالجه التفسير السابق، فالتفاسير تمضي في مسيرةٍ تكاملية، فكل تفسير يحاول أن يقدِّم إضافةً لم يقدّمها التفسير الذي سبقه.
ما ضوابط التفسير بالرأي؟
الروايات التي تنهى عن تفسير القرآن بالرأي، تريد أن تشدّد على عدم الارتماء في تفسير الآيات حتى لا نسقط عليه آراءنا وأهواءنا، أما مجرد الاستفادة من القرآن الكريم للاعتبار والاتعاظ فلا ضير فيه.
إذا كان علماء الشيعة يختلفون في فهمهم للقرآن الكريم رغم وجود الروايات فلا لوم لأحد إذن في فهمه، أياً كان ذلك الفهم؟
إن اختلاف العلماء مبنيٌ على حجة، لذلك هم معذورون، أما غير العلماء فليس كذلك، لذا لا عذر لهم فيما يصلون إليه من فهم؛ لعدم إقامة الحجة.