القيم الفطرية وثقافة الاختلاف
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولذَلكَ خَلَقَهُمْ﴾. (سورة هود).
يتميز افراد المجتمع عن بعضهم البعض بسمات كثيرة، تنمي لديهم مفهوم الاختلاف على مختلف الاصعدة، فالبعض يعتقد ان الاختلاف نعمة؛ لانه يساعد على بروز أنماط تفكير جديدة، وبين من يعتقد أن الحقيقة تبقى وحيدة ومطلقة وهي غالبا ما تكون بجانبه، بمعنى يتعدد فهم الناس لثقافة الاختلاف.
وفي ظل ما يشهده العالم اليوم من تطور، تمكن الإنسان من أن ينفتح على الآخر الذي يختلف عنه، ربما بدأ بعض الناس يفهمون أن الاختلاف ثابت، وأن المتغير هو طريقة التعامل مع هذا الاختلاف، وفهم أن ذلك مهم وأساسي حتى نعيش جميعا، ويتطور الفكر الإنساني في العموم.
فمهما اختلفنا وقبلنا الاختلاف وجعلناه بوابة للحوار وتبادل الأفكار، فإن ذلك لا يمكن إلا أن يكون نافعا للمجتمع برمته، لأن الاختلاف البنّاء والحوار الذي قد ينتج عنه ليس تغيير مقدار ذرة في وصال المختلفين، بل إنهما يفتحان مداركهم نحو تمثلات جديدة ربما كانوا على جهل بها، والاختلاف لا يفسد للود قضية كما يقولون.
ما الذي يقود الناس إلى الاختلاف؟
ونحن نعيش في هذا العالم الواسع، والسريع في تطوره المخيف، يتطلب من الجميع مواكبته في مختلف المجالات، فيحتم علينا التنافس، هذا التنافس قد يكون على الثروات، على المناصب، وهذا طبيعي في كل مجتمع، لكن هذا التنافس قد يؤدي إلى الاختلاف الهدّام، اذا لم يخضع لضوابط تسيطر عليه، كاستبداد القوي بالضعيف وسيطرته عليه، وربما يكون له تبعات سيئة للطرف الاخر كونه يفترض التنافس مهما كانت التضحيات او المقابل واحيانا يكون استبداد بالرأي والفكر، ومما لا شك فيه ان هذا الصنف هو شر بلية وخيبة للمجتمع فهو السبب للتخلف عن التطور.
تتعلق القيم بالأخلاق والمبادئ، كمعايير عامّة وضابطة للسلوك البشري الصحيح، والقيم الاجتماعيّة هي الخصائص أو الصفات المحببة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع
علاج الاختلاف الهدّام:
يتم علاج هذا الاختلاف بنشر قيم العدالة، وهي قيم فطرية، وتحضى بتأييد العقل الذي يدعو إلى احترامها ونشرها، والتي اذا طبقت بحذافيرها تضيقت دائرة الاختلاف، ومنها الصدق والأمانة والإنصاف، فلو التزم الانسان بهذه القيم لانتهى الاختلاف وأصبحت المجتمعات متوازنة ومتكاملة.
وتتعلق القيم بالأخلاق والمبادئ، كمعايير عامّة وضابطة للسلوك البشري الصحيح، والقيم الاجتماعيّة هي الخصائص أو الصفات المحببة والمرغوب فيها لدى أفراد المجتمع، والتي تحددها ثقافته مثل التسامح والقوة والتعاون والاحترام وغيرها الكثير.
وإن مفهوم العدل يعبر عن الإنصاف، كما يُعبر عن معاملة الناس بشكل متساوٍ، وعدم الانحياز لفئةٍ معينة، أو تعريضهم للظلم أو التعامل معهم بعنصرية، وذلك من خلال سن القوانين الاجتماعية، والسياسية، والجنائية، والتي من شأنها تحقيق الإنصاف بين أفراد المجتمع في مختلف المجالات الصحية، والتعليمية، وحتى في مجال الأعمال.
وهذا ما اكد عليه، أمير المؤمنين، عليه السلام، الذي ادرك إن العدالة مفتاح لدخول الحقوق الأخرى، فلو انعدمت العدالة في المجتمع لانعدم ما دونها، لذا شدّد على تحقيقها منطلقا من كون الناس جميعا أحرارا، يولدون ويموتون، وليس من حق أي كان أن يسلبهم هذا الحق
كما حذر من انجرار الناس إلى بعضهم حتى يصل بالبعض التنازل عن حريته ليكون في موضع العبودية، فيفقد غاية وجوده، ويتحول إلى مسلوب الإرادة، وقد يتمثل ذلك في خضوعهم إلى الحكام الظلمة الذين يسلبوهم حرياتهم ويحولوهم إلى عبيد، لذا نجد أمير المؤمنين، عليه السلام يحذر من وقوع الإنسان في موقع العبودية لغير الله عز وجل فقال: “لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا”. فلم يكن الاختلاف يؤذي الإمام عليه السلام، لانه لم يفرق بين رعيته على أساس الانتماء والعقيدة، فقد شكلت المواطنة غايته في سياسته معهم، فالناس في منظوره متساوون على أساس العطاء والتفاعل الإنساني، فمقدار ما يقدمه الإنسان للأمة يكون مقدار لاحترامه، وحفظ وجوده على أساس التعايش السلمي، وهذا المعنى يجسده في عهده لمالك الأشتر عندما ولاه مصر قائلا: “وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم؛ فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”. (نهج البلاغة).