| 3 |
الإنذار حين يكون رحمة
قد يقلل البعض من أهمية ممارسة أسلوب الإنذار في التربية والتوجيه في عالمنا المعاصر، وأنه لم يعد ذا جدوى. وربما يدعو إلى الاكتفاء بجانب البشارة لجلب الناس إلى الخير وإبعادهم عن مسالك الشر.
ولكننا حين نتأمل آيات الكتاب العزيز، سنرى تركيزا شديدا على جانب الإنذار، مع عدم إهمال جانب البشارة. فأنبياء الله ورسله بُعثوا مبشرين ومنذرين، كما قال تعالى: (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) وقال: (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ). وفي بعض الآيات يتقدم الإنذار على البشارة بحسب ما يناسب سياق الآيات؛ كما في قوله تعالى: (إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ). بل إنه تحدث في أكثر من آية عن كون النبي منذرا أو نذيرا أو ممارسا للإنذار؛ فقال تعالى: (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وقال: (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) وقال: (قُلْ إِنَّما أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ).
فالنبي الذي بعثه الله رحمة للعالمين جميعا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ينزل عليه القرآن لإنذار جميع العالمين: (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيرا) ويقول: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). فالقرآن كما هو بشارة، هو كتاب إنذار: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) والآيات في ذلك كثيرة.
ونظرا لمركزية الإنذار ودوره الكبير في ضبط الحياة الاجتماعية، جعله الله غاية للتفقه في دينه، إذ قال: (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
لذا علينا أن لا ننسى أبدا أهمية الإنذار في ممارساتنا التربوية والتوجيهية والإرشادية، فالإنذار حين ينطلق من الرحمة ستكون له الآثار المحمودة بإذن ربه.