| 2 |
نحن وأفعالنا المرتدة
كل ما تفعله من خير أو شر يرتدّ إليك قبل غيرك. هذه حقيقة يؤكد عليها القرآن بشكل كبير لتكون حاضرة عندنا لا تغيب عن أذهاننا قبل أن نقدم على فعل أي شيء. إنه درس عظيم لمن استوعبه حقّ استيعابه.
لنتأمل في قوله تعالى: (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها)، فإن الآية واضحة في أن استفادة الإنسان من البصائر الربانية تعود منافعها إليه، وأن عماءه عنها ترجع آثارها السلبية عليه. فالله تعالى غني عن طاعاتنا كلها، كما قال جلّ شأنه: (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ) ثم قال بعد ذلك مباشرة في نفس الآية: (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ). فهو عندما يدعونا لطاعته وعبادته، يفعل ذلك رحمة بنا، لنسلك طريق السعادة الحقيقية التي يريدها لنا، ونبتعد عن طريق الشقاء: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى). ومن ذا لا يحب أن يكون سعيدا؟!
الآيات القرآنية تؤكد بمختلف بياناتها على هذا المعنى الجليل الذي يمكن أن نطلق عليه قانون الأفعال المرتدّة، المتمثل في ارتداد ما نفعله إلينا أو علينا. يقول تعالى: (فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) ويقول: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) ويقول: (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ويقول: (وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) ويقول: (مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) ويقول: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ).
حين تفعل الخير للغير فإنك تفعل ذلك لنفسك أولا: (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)، وحين تبذل وتعطي في سبيل الخير، فإنه تبذل لنفسك: (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ) وحين تبخل وتمسك عن العطاء، فإنك تبخل على نفسك، أو عن نفسك بحسب التعبير القرآني، لتضمين معنى الإمساك: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ).
وحين تعتدي على حقوق الآخرين، فإنك تعتدي على نفسك أولا: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ) وقال تعالى: (وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).
لذا علينا أن نتفحص ما نفعل قبل أن نفعله، ونتفكر في آثاره وعواقبه، فإن كانت خيرا فعلناه، وإن كانت شرا اجتنبناه.