| 1 |
نحن وذواتنا
حب الذات أمر مفطور عليه البشر، وبسببه يسعى الإنسان دائما لتحصيل ما يظن أنه يحافظ على ذاته أو يدفع عنها الأخطار المحتملة. هذا هو الوضع الطبيعي، لكن ما هو غير طبيعي أن يمقت الإنسان ذاته فيُقدم على إلحاق أشد الأذى بها من غير أن يشعر بذلك. هل يمكن أن يحدث هذا؟
الجواب: نعم. تشهد على ذلك العديد من الآيات القرآنية التي تصف لنا هذه الحالة خير وصف، محذرة من انحدار الإنسان لمثل ذلك المستوى الذي يُرديه ويدمر مستقبله.
يقول تعالى مبينا كيف يصل الإنسان إلى درجة المقت لنفسه، الذي يعني أشد البغض، وذلك حين يُدعى إلى الإيمان فلا يستجيب: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ). إن عدم استجابة الإنسان لنداء الإيمان هو في واقعه بغض شديد للذات، لأنه رفض لنداء الحياة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ) مما يعني اختيار الإنسان أن يكون من موتى الأحياء الذين يقول الله تعالى في شأنهم: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ). إنهم أولئك المتعلقون بالدنيا أشد التعلق، المنغمسون فيها، لتكون أقصى ما يطلبون: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا . ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ). يقول الإمام علي في صفة أولياء الله: "ويَرَوْنَ أَهْلَ الدُّنْيَا يُعَظِّمُونَ مَوْتَ أَجْسَادِهِمْ، وهُمْ أَشَدُّ إِعْظَاماً لِمَوْتِ قُلُوبِ أَحْيَائِهِمْ".
إن هؤلاء الأحياء الموتى يسعون كما يقول القرآن إلى إهلاك أنفسهم بأنفسهم من خلال ممارساتهم التي تجعلهم خارج دورة الحياة، بابتعادهم عن كتاب الله: (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) وبممارسة الكذب والنفاق: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) وبخداع الذات: (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) وإضلالها: (وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) بل ونسيانها: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ومن ثم بيعها بأبخس الأثمان: (وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ). فعندما لا يدرك الإنسان قيمة نفسه، فإنه سيبخسها حقها، وسيتصرف معها تصرف السفيه غير الرشيد: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) وسيخسرها في نهاية المطاف، وذلك أعظم الخسران: (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ . لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).