الإمام الحسين (عليه السلام) ... وعي ومسؤولية
روي أنّ يزيد كتب إلى الوليد بن عتبة عامله على المدينة أن يأخذ البيعة له من الحسين بن علي وإن أبى فليضرب عنقه.
فلمّا حضر التفت إلى الوليد وقال: إنّا أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة وبنا فتح الله وبنا ختم الله ويزيد رجل فاسق شارب الخمر، قاتل النفس المحرّمة، معلن بالفسق، ومثلي ﻻ يبايع مثله، ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أيّنا أحقّ بالخلافة والبيعة، ثم خرج .
هذا أحد المواقف الخالدة للإمام الحسين والذي يحتوي على العديد من الدروس والعبر، منها:
- الإمام الحسين القيادة الربانية
أراد الإمام الحسين من خلال كلمته أن يذكر هذا الوالي بموقعيته، ومكانته، فهو (عليه السام) يمثل الخط الصحيح، وهو قيادة ربانية إلهية تتصف بصفة النبوة والرسالة، التي تحمل الحقائق الإلهية إلى الناس". فهو يمثل الحق، ويمثل الإيمان، في مقابل (يزيد) الذي كان يمثل الكفر. فلا يعقل أن يبايع الحسين يزيد " ومثلي ﻻ يبايع مثله".
وحري بالأمة أن تشخص القائد الحق الذي يستطيع أن ينهض بها، ويستنقذها من مستنقع الجهل والتخلف، وتتعرف على برنامجه الإصلاحي، والمساهمة في تنفيذه و إنجاحه.
- الإمام الحسين ... قراءة الواقع
لم يكن الإمام الحسين منعزلاً بعيداً عن مجريات الساحة، بل كان مراقباً لمجريات الأمور ومستجدات الساحة.
لقد كانت هناك تغيرات اجتماعية وسياسية، وإشاعة لسلوكيات جاهلية، وإثارة النعرات القبلية الجاهلية، وتفريق شمل المسلمين، وغيرها مارسها بنو أمية للحفاظ على سلطتهم، وكل هذه التغيرات كانت واضحة المعالم، وتحت المجهر الحسيني، ولذا كان لابد من عملية إنقاذ شاملة تغير تلك الانحرافات، وتعيد الأمة إلى الجادة الصحيحة، فكانت ملحمة عاشوراء حركة إصلاحية.
- الإمام الحسين ... ثقافة المسؤولية
لقد قدم الإمام الحسين أروع الأمثلة في نشر ثقافة المسؤولية عندما قال في إحدى خطبه: “ألا ترون أنّ الحق لا يُعمل به، وأنّ الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً"
فهو يخاطب جمهور الأمة بأن تكون ثقافتهم ثقافة تحليل الواقع، وقراءة الواقع ومعرفة نقاط الخلل في الأمة، وضرورة تحمل المسؤولية في تحمل الدور الريادي، وأن يكون في مقدمة من يغير المعادلات، ويعيد الحق إلى أهله، ويقمع الباطل بكل أشكاله.
- الإمام الحسين ... مصلحاً
لم يتخذ الإمام الحسين عليه السلام موقفاً لا مسؤولاً، بل كان في مقدمة من خرج لطلب الإصلاح منطلقاً من مبدأ المسئولية التي يتحلى بها، ورفع راية الإصلاح بقوله :”إني لم أخرج أشراً ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر“.
كان الإمام الحسين يدرك أن الأمة بحاجة إلى هزة عنيفة تخرجها من سباتها، وركودها، وسلبيتها، وهذا يتطلب برنامج إصلاحي يتمثل في:
· هدفية الإصلاح: فهو ليس للمصالح الشخصية، وليس إصلاح الصدفة، وإنما هو برنامج مبدئي، منطلقاً من عمق المسئولية الملقاة على الإنسان.
· التطلع في الإصلاح: لم يكتفي الإمام بقوله: "إنما خرجت لطلب الإصلاح" في (مكة، أو المدينة، أو الكوفة ) بل قال في أمة جدي، فهو إصلاح أممي.
· أدوات وآليات الإصلاح ينبغي أن تكون سليمة بعيدة عن الظلم، والإفساد.
· تكاملية رؤية الإصلاح، فهو إصلاح واضح المعالم.
- الإمام الحسين ... ملهماً
كل من يقرأ الإمام الحسين قراءة واعية، فإنه يقرأ روحاً وفكراً، برنامجاً عملياً للتغيير، فالحسين ملهماً، وشاحناً للفرد والأمة، يلهمنا روح الصمود، يلهمنا المعنويات العالية، يلهمنا روح الثبات على القيم والمثل، يلهمنا العطاء بجميع أبعاده، يلهمنا العزة والكرامة، فهو القائل: "كونوا أحراراً في دنياكم".
وهكذا هي المجتمعات المحبة والعاشقة للحسين تحيي ذكراه وتستلهم منه برنامجاً عملياً، وخارطة تغيير إلى الأفضل، ففي كل عام يرسم لنا الحسين عليه السلام خارطة الحياة الكريمة.
فقط علينا أن نقرأ الحسين عليه السلام قراءة الوعي والمسئولية،