الشيخ العوامي بمشكاة: التحديات تضيء الهويات
أقام (مشكاة للتنمية البشرية) ندوة حوارية مع الباحث والمفكر الإسلامي الشيخ فيصل العوامي بعنوان (الاستجابة الرشيدة في زمن يتغير) مساء يوم الجمعة ٢٨ جمادى الثانية ١٤٣٩هـ الموافق لـ ١٦ مارس ٢٠١٨م في مسجد الإمام الهادي بصفوى.
تعرض العوامي خلال الندوة التي حاوره فيها الإعلامي الأستاذ حسين التاروتي لجدلية الهوية في عالم التحولات، وكيف يمكن تسخير التحولات لصالح التنمية الذاتية والاجتماعية، بالإضافة للموقف العلمي من التحولات وأهمية تقعيد المفاهيم في الأزمنة المتغيرة. واختتمت الندوة بحوار مفتوح مع الجمهور أجاب خلاله الشيخ العوامي على أسئلة الحضور من الجنسين، وعلّق على مداخلاتهم وإضافاتهم.
افتتح الأستاذ التاروتي الندوة بالتطرق لمسارات العولمة والانفتاح، وما يزامنها من الإشكالات المرتبطة بالهوية والتخوفات الاجتماعية وغيرها من القضايا، وما يقابلها من توجهات التقوقع والانغلاق. ثم تطرق الشيخ العوامي لمناشيء التخوف في أزمنة التحولات والتغيرات مما هو غير مألوف أو مرفوض في الثقافة القديمة ومن أهمها الخوف على الهوية، وهذا غير منحصر في الحالة الدينية فجميع المجتمعات لها هوية تحافظ عليها سواء كانت دينية أم غير دينية. ولفت سماحته أن من لديه قناعات تامة مبنية على أصول علمية لا يتخوف من التحولات بل يرحب بها ويرى أنها تخدمه كثيراً، مستشهدًا بمقولة للمرجع الشيخ السند أن "الفتن" بالرغم مما لها من سلبيات إلا أنها على الطرف الآخر قد تتسبب في خلق حراك علمي ينتج أفضل ما لدينا فكريّاً ويبني واقعنا بشكل أفضل وأكثر رسوخاً.
وأكد العوامي أن التجارب أثبتت أن التحولات تخدمنا وتقدم مجتمعنا وأن التحديات تساهم في إضاءة الهويات، فالظاهرة الإسلامية مثلاً هي اليوم في حال أفضل مما كانت عليه قبل خمسين عاماً على مستوى الفكر والكفاءات العلمية. ونوّه أن هذا لا يعني أن نقبل بكل ما تأتي به التحولات، بل أن نتعامل معها بشكل صحيح عندما يكون لدينا رسوخ علمي.
وفي إجابته على سؤال الأستاذ التاروتي حول كيفية إعداد المجتمع للتفاعل مع المتغيرات مع الحفاظ على الهوية، أكد العوامي على أن من الخطأ التصادم مع التحولات ورفضها بشكل مطلق أو مواجهتها بالعنف والقوة، فذلك يتسبب في تجذر ما لا يُرغب فيه ويثبت عدم القدرة على التعاطي مع المتغيرات وضعف الرؤية.
ونبّه فضيلته أنه يوجد لدينا خياران لا ثالث لهما هما:
١) تقعيد المباني العلمية للمبادئ التي ستكون على تماس مع التحولات الجديدة فنرسخها علمياً، فمجتمعنا هو مجتمع مثقف وممتليء بالكفاءات والعقول المتحضرة.
٢) التعاطي الأخلاقي عبر التعامل بسعة صدر كبيرة، فالانفعال يعطي فرصة قوية للتحولات غير المرغوبة لتتجذّر.
وأشاد العوامي بكتاب (السبيل إلى إنهاض المسلمين) للإمام الشيرازي الراحل الذي نستفيد منه هذين الخيارين، وهو عصارة تجارب أربعين عاماً من العمل الإسلامي.
وأضاف العوامي أنه في هذا العصر لا يكفي التأسيس الديني، بل لا بد من التأسيس الإنساني بالاستناد للثقافة الإنسانية لا الدينية فقط، لأن هناك الكثير ممن لا يقبلون الفكر الديني لكنهم يقبلون الفكر الإنساني. وشدّد على ضرورة البحث العلمي والدراسات الميدانية حول جذور نشوء التحولات كوجود النواقص والثغرات في المجتمع أو التأثر بالعوامل الخارجية أو الأسباب النفسية مثل الشعور بالدونيّة مقابل المجتمعات الأخرى وغير ذلك، كما أكد على ضرورة تلمّس الإيجابيات حتى مع وجود السلبيات والضحايا لبعض التحولات مذكّراً بتجربة برنامج الابتعاث الخارجي الذي فاقت إيجابياته سلبياته.
وفي إجابته على سؤال من الأستاذ أمين آل إبراهيم حول كيف نبني ونقود التحولات إيجابيّاً بدل التمترس في موضع الدفاع، وضّح سماحته أننا لكي نكون قادرين على صناعة التحولات الإيجابية بدل انتظارها لتأتينا من الخارج ثم نفكر في كيفية التعامل معها، فإننا يجب أن نكون قادرين على توليد العلوم لا استيرادها فقط، فمجتمعنا مليء بالكفاءات الهائلة ومتحضر ومتقدم من الناحية الفكرية لكنه يجب أن ينشط في توليد العلوم، وهذا يحتاج لدعم وتشجيع وبيئة من نوع خاص.
وتعقيباً على مداخلة من إحدى المشارِكات حول كيفية سد الفجوة بين النخب المثقفة والمجتمع، اعتبر العوامي أن محاكمة المجتمع بالطريقة النخبوية قد يكون أسلوباً خاطئاً يخلق نفوراً اجتماعيّاً، وأن الخيار الأفضل هو النزول إلى المجتمع وضخ الثقافة العملية والملموسة فيه بشكل سلس، وهذا ما نجحت فيه الحوزة في الآونة الأخيرة لدرجة مّا وهو موجود لدرجة جيدة في العمل الثقافي أيضاً، فينبغي التشجيع على تجسير الفجوة بين النخب المثقفة والمجتمع بشكل أكبر.
وتعقيباً على مداخلة من الرئيس السابق لجمعية الصفا الخيرية وعضو لجنة التنمية الأهلية بصفوى المهندس السيد هاشم الشرفا حول أصحاب المبادرات الاجتماعية وموقفهم من ردة الفعل الاجتماعية، نصح العوامي بأن يتقن أصحاب المبادرات طرح مشاريعهم في الساحة الاجتماعية وعدم التعجل أو التصادم مع المجتمع فأسلوب الصدمات لا ينجح غالباً، ونقل عن المرجع السيد صادق الشيرازي قوله: أن أكثر الناس لا يهتمون بدور الإصلاح وإنما يهتمون بشؤونهم الخاصة، والذين يهتمون للإصلاح أكثرهم يفسدون ولا يصلحون، والبقية أكثرهم يستعجلون لكن ما نشأ على مدى قرون لا يمكن إصلاحه في يوم واحد، أما الذين يصلحون ولا يتعجلون فهم قلة قليلة.
كما نصح العوامي بالرجوع للمختصين لاستيضاح الرؤية، وهو ما علّق عليه الدكتور هاني الهاني مستفسراً حول مساهمة المختصين في إعادة الصياغة الدينية جنباً إلى جنب مع رجل الدين، فوافقه الشيخ العوامي مبيناً أنه يمارس ذلك شخصيّاً فيما يطرحه على المنبر، ورحّب بالمساهمات التخصصية في صناعة وتقديم الفكر الديني كما في مسألة إثبات وجود الخالق وتفاصيل المسائل الفقهية وغيرها.
وختم العوامي الحوار قائلاً بأن عقيدتنا راسخة جداً من الناحية العلمية، وهي تستحق منا أن نقدمها للعالم بمنطق راسخ، فالعالم لا يعرف من هو الإمام علي حتى هذا اليوم، بل نحن لا نعرفه!