الحسد وما أدراك ما الحسد!!
منذ أبينا آدم حتى يومنا هذا، والحسد لا يفارق المجتمعات البشرية، بل يواصل فتكه بها كأشد الأمراض فتكا، على حين غفلة من أهلها.
البداية كانت في جواب إبليس لربه حين أمره بالسجود لآدم: (قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ). ثم في قابيل، حين لم يُتقبَّل قربانه، وتُقبِّل قربان أخيه هابيل: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ). ثم استمر التحاسد بين البشر، محرضا على أسوء الأفعال، ودافعا للتباغض والتنافر، ومبعِّدا عن ساحة الله.
نقرأ ذلك في قصة إخوة يوسف الذين كان للحسد فيهم نصيب لا يُحسدون عليه: (إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ . اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ). ونستنكر متعجبين من مفعول الحسد وتأثيراته النفسية المنحرفة الخطيرة التي لا تكتفي بصرف المرء عن الحق بعد انكشافه له، بل تذهب به إلى حد أن يتمنى ارتداد غيره عن الإيمان، زاعما أن الكافر أهدى من المؤمن، وهو يعلم حقيقة الحال. يقول تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ). ويقول: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا . أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا . أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا).
وقد أبانت الكثير من الروايات الآثار المدمرة الناتجة من هذه الخصلة الذميمة، ومن ذلك ما ورد عن النبي : "إياكم والحسد؛ فإنه يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"، وعنه : "ألا إنه قد دبّ إليكم داء الأمم من قبلكم وهو الحسد، ليس بحالق الشعر، لكنه حالق الدين" وما ورد عن الإمام علي : "الحسد شر الأمراض" وما ورد عن الإمام الصادق : "إياكم أن يحسد بعضكم بعضا؛ فإن الكفر أصله الحسد". كما كشفت العديد من الروايات شخصية الحاسد المريضة المنكوسة، نختار منها:
"الحاسد لا يشفيه إلا زوال النعمة"
"الحاسد يفرح بالشرور، ويغتمّ بالسرور"
"الحاسد يرى أن زوال النعمة عمّن يحسده نعمةٌ عليه"
إن مرضا خطيرا كهذا يجدر بنا أن نجتهد في فهمه بشكل أعمق، وأن نسعى لمحاصرته والفتك به قبل أن يفتك بأنفسنا وديننا، نعوذ بالله من شره (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ).