محاضرة اليوم الثاني من محرم 1439 هـ
مناشئ الأفكار بين النص و الواقع || سماحة الشيخ عبدالغني عباس
قال تعالى ( خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)
جاءت كلمة الحق في العديد من الآيات القرآنية بِـمعانٍ مختلفة ، البعض منها يُراد به ذلك الشيء الذي لايمكن إنكاره أو التشكيك به بأي حال من الأحوال.
و قد تأتي بمعنى الصحة الواقعية حتى لو غابت عن أعين الناس و أذهانهم ، كالكتب السماوية المختلفة ورسالاتها التي أنزل الله جملة من الحقائق فيها.
ففيها تصوّرات حول الوجود والخلق حتى وإن شكّك بها البعض إلا أنه يتساوى بالحق الواقعي.
هنا نذكر بعض الأمور المتصلة بمنشأ الفكر البشري وهل يُعارض الحق الواقعي أم لا ، وكيفية التعامل معه ..
عقل الإنسان يُولّد الأفكار ، فهل نحن نحمل هذا الفكر الديّن الذي جاء في الكتب؟
بالإمكان ذكر جانبين في كيفية اكتشاف صحة أفكار العقل الإنساني والحكم عليها:
1) إن كانت الأفكار مستندة إلى نص ديني سواء من آية أو رواية ، فَـيتم قبولها.
قال الله تعالى ( فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ ) ، فالله ينهى الأبناء من قول تلك الكلمة للوالدين ، و إن أتينا لمسألة سب/ضرب/إهانة أحد الأبوين ، فهل يجوز ذلك؟
قال بعض الفقهاء هناك ما يُسمّى بـ"دليل الأولوية القطعية" وهي توسيع دائرة النص ، فإن نهى الله -عز و جل- قول (أف) فما بالك بالضرب والشتم والسب!
2) إن كانت الأفكار لا ترجع لِـنصوص دينية ، فيكون الحكم عليها بـ:
- سيرة المُتشرّعة : فإن لم تكن الفكرة متناسبة مع السيرة فلا يتم قبولها ، كَـلبس المخيط على المرأة في الحج والعمرة مثلاً ، إذا تم الرجوع إلى المُتشرّعة لانجد شرطية لبسه.
- السيرة العقلائية : ربما لا يؤخذ على إطلاقه ؛ لأنه ليس بالضرورة معرفة العقل بكل شيء أو اقتناعه به.
مثلاً عندما نأتي لموضوع الشهادة في سبيل الله ، البعض لا يقبل بها مع أنها مفهوم غيبي و قد جعله الله -عزّ و جل- تاجاً للناس حين قال ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
وإن لم يوجد نص ديني يعارض الفكرة ، فنحكم بِـصحتّها.
كالذهاب إلى الطبيب للتشخيص أو غيره ، نحن نحكم بِـصحّة ما يفعله ، وإن لم نثق به وبغيره يتخلّ نظام الخَلق.
ولكن قد نرى البعض يتكلم ويحكم على الأشياء دون علم أو بصيرة و هذا افتاء باطل (و من أفتى بغير علم فليتبوأ مقعده من النار).