ثلاثة أوراق في افتتاح "ملتقى القرآن الكريم" لمؤتمره الثالث عشر
افتتح ملتقى القرآن الكريم بسيهات مساء أمس الجمعة ١١ رمضان مؤتمر القرآن الكريم دورته الثالثة عشرة وذلك بمسجد الباقر. وتم طرح ورقتين في يومه الأول بالإضافة لورقة الافتتاح الذي قدمها عضو ملتقى القرآن الكريم الشيخ زكريا داود والذي اعتبر فيها "إن بناء الأمة من خلال النظر للمستقبل يستدعي منا ومن المفكرين والباحثين ومراكز الدراسات أن يكون المنطق صحيحا والغاية واضحة وآليات تحقيق الرؤية متطورة ومتقدمة، ولا يمكن أن نضمن كل ذلك إلا من خلال الرجوع للنص المؤسس لوعي الأمة وثقافتها وماضيها وحاضرها".
مشيرا أن القرآن وهو "النص المؤسس للمنظومة المعرفية والقيمية للعقل العربي والإسلامي، ويكتسب البحث فيه أهمية يتعاظم الحاحها كل يوم بفعل ما تتعرض له الأمة. مردفا بأن "إن واقعنا بكل تمظهراته لا تشكله تلك البصائر والرؤى". وأن "أنماط التفكير ااسائدة هي وليدة ثقافة وقيم معكوسة وبعيدة كل البعد عن فهم صحيح للنص القرآني.
مختتما بالتأكيد على أن "التدبر هو مظهر من مظاهر التفكيير الممنهج الذي يروم الوصول للمعارف العامة في شتى مناحي حياتنا " ولما "يمثله من إعمال للفكر وإنتاج للمعارف المنبثقة من النص المؤسس".
وقد تلا ذلك تقديم دراسة بعنوان "ما التدبر ..! مقاربة أولية في المنهج" طرحها السيد جعفر العلوي رأى في مفتتحها أن "أهمية التدبر تتكشف بدءا بالحث عليه مباشرة صريحا في أربع آيات وفي سياق مرتبط بالهداية الواقعية المرتبطة بالإنسان وهو يعيش الحياة بتحدياتها وتنوع ألوانها في المستويين الفردي والاجتماعي. كما تتكشف الأهمية بتجاوز تسطيح حقيقة التدبر إلى الإمساك بغايته وهي تفسير الحياة وفق بصائر القرآن ومحاكمة الخيارات المتاحة للإنسان".
وعن العلاقة ما بين التدبر بالتفسير والتأويل يخلص العلوي أن "غاية (منهج) التدبر أو التفسير - نظريا - مختلفة، فغاية التدبر العاقبة ليقترب من التأويل. وغاية التفسير (تبديد) الغموض المرتبط بالآيات نفسها، بغض النظر عن الخارج".
وفي مناقشته لحقيقة التدبر يشير بأن التدبر (التفكير المعمق؛ الأسئلة الدقيقة وترجمتها إلى آليات عملانية) في محاولة عبور هدفه (استكشاف السنن المخبئة)، وغايته (العبرة/ البصيرة) وتفسير وتقييم وتقويم الواقع على أساس تلك المعارف. كما يشير كذلك إلى "إن توصيف التدبر بـ "التفكير المعمق" وكونه يتضمن التفسير والتأويل يجعله قضية الخاصة والمجتمع العلمي ويخرجه من المجتمع العام كما مقتضى الحض عليه، والمعني بالحض عليه عامة المسلمين بل وغيرهم من المخاطبين.
وفي مكان آخر من ورقته يؤكد السيد العلوي "إن اللسان العربي يتيح قدرا من الفهم، خصوصا أن الخطاب مؤسس على العقل العرفي والفطرة. والدليل على الفهم هو ما يدل على يسره، وخطابه للمشركين وللناس كافة والاحتجاج عليهم. مردفا أن "الدعوة للاسترشاد بالقرآن فرع التعلم بالقرآن. والمعرفة العرفية تتجاوزالمعرفة الساذجة إلى معرفة جعلت المؤمنين الأوائل ذوي بصائر ورشد. فالمطلوب هو السعي نحو مجتمع متعلم بالقرآن يستطيع موازنة الأمور بعقلانية.
وبما يخص السياق القرآني يومئ إلى أنه "مكون من أربعة دوائر؛ أولهى سياق القرآن الموضوعي (سباق ثقافي) لأن القرآن يصدق بعضه بعضا وينطق بعضه بعض،الثاني سياق السورة (يشكل الإطار الوظيفي)، الثالث سياق النص أو المقطع أو الآيات .. الرابع سياق الآية.
فـ "المنهج التجزيئي (التفسير) يعتني بالسياق القريب اللغوي دون السياق البعيد الفكري الذي هو محل اهتمام التدبر.
ويرى بأن "ان السياق الفكري مجاله توظيف مضامين الآيات واستثمارها في غرض الآيات الكلي، وبالتالي انتزاع الآية من سياقها الفكري لايخل بمضمونها".
الدراسة الثانية كانت للشيخ علي آل موسى بعنوان "التدبر جدل الضرورة والتحريم"
سلط الضوء فيه بداية حول أسباب انكماش الاهتمام بالقر آن الكريم ليخلص بالقول في صدد مناقشته لسبب المؤامرة الخارجية "نحن بمقدار عدم حفاوتنا بنظرية (المؤامرة الخارجية) العابرة للحدود والقارات، والتي تكِل الأمر إلى السبب الغيري الخارجي؛ نحتفي بنظرية (الفعل الذاتي) التي تكلّ الأمر إلى السبب الذاتي الداخلي الكامن في فعل المسلمين نفسه، ونرى أنّ السبب الأساس لم يكن مؤامرة استعمارية، بمقدار ما كان فعل المسلمين أنفسهم، وصدودهم الذاتي عن كتاب ربّهم"
مضيفا إن "السبب في ترجيحنا نظرية الفعل الذاتي الداخلي على نظرية الفعل الغيري الخارجي: أنّ الفعل الغيري الخارجي لا يستطيع أن يعمل وينشط ويؤثر لولا السبب الذاتي الداخلي الذي وفّر له أرضية الانطلاق وقابلية الحركة والمناورة؛ لأنّ (ما بالغير لا بد أن يعود لما بالذات)، و«كما تكونوا يولّ عليكم«( )!!.
وفي بحثه للأسباب الذاتية لتراجع الاهتمام بالقرآن يقول آل موسى "وقفت فكرة (قداسة النصّ الديني) - في بعض أشكال فهمها - واحدة من أهمّ العوائق في طريق التعامل الحركي مع القرآن الكريم، وإبداع مناهج وسبل وأدوات للتعاطي معه والتدبر فيه.
وحول الاشكالية المتعلقة بنخبوية النص القرآنية يتساءل الشيخ آل موسى "القرآن الكريم هل هو نصّ مفتوح لجميع المتلقين، أم هو نصّ خاصّ متعال مغلق ذو رموز وشيفرات.. مخصوص بمتلقي خاصّ؟َ!
وهل يستطيع البشر بما وهبهم الله من عقل وعلم ومعرفة محدودة استلهام شيء من ألق القرآن المعشي للأبصار والقلوب، أم هو كتاب رمزي (مشفّر) فوق مستوى الفهم البشري العام وأدواته المعهودة؟!
وإذا كان القرآن كتاباً لمتلقي خاصّ، فكيف نقبل فكرة التدبر التي تجعله مفتوحاً للاستلهام الذاتي من قبل الجميع؟!!
وفي مكان لاحق من ورقته يتساءل كذلك آل موسى "بم نفسّر كثافة الآيات القرآنية التي تصرّ على أنّ القرآن (للناس) ـ كلّ الناس ـ، وليس لفئة خاصة؟!
و "إذا كان البيان الإلهي للقرآن مقصوراً على المعصوم، فما معنى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، أولم يقل الله: (بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ).
ويقر الباحث بأنّ "مستويات البيان القرآني طبقات ودرجات متفاوتة ما بين ظاهرة، وعميقة، وأعمق، وهكذا..، وعلى حسب تعبير الإمام الحسين : «كتاب الله - عزّ وجلّ - على أربعة أشياء: على العبارة، والإشارة، واللطائف، والحقائق. فالعبارة للعوام، والإشارة للخواصّ، واللطائف للأولياء، والحقائق للأنبياء".
ويختم دراسته بالتطرق للتعامل النمطي مع كتاب الله "الأشكال النمطية الجاهزة المعلبة التي سادت لدينا كمسلمين جعلت اهتمامنا القرآني يتمثل على شكل العلب التي يوضع فيها!! فقد اعتاد البعض من المسلمين أن يكون القرآن حلية نفيسة في بيوتهم!! واعتاد بعضهم على قراءته العابرة المعاجلة لأيام شهر رمضان دون الحاجة إلى الفهم والدراسة!! واعتاد البعض على تشغيله من المذياع أو التلفاز أو الكمبيوتر بينما يقوم هو بأعمال البيت من تنظيف وطبخ وغير ذلك، مما لا يدع مجالاً للتحليق مع القرآن في سمو آياته ومعانيه".