دقيقة تأمل
حين تنعم على أحد بنعمة بعد أخرى، ثم لا تجد منه إلا الصدود وعدم التقدير؛ فإنك لن تكون قادرا على تحمل مثل ذلك السلوك الجاحد، وسينتهي بك الأمر سريعا في أحسن الأحوال إلى إغلاق ملفه والإعراض عنه والإمساك عن مواصلة الإنعام عليه، لأنه في نظرك لا يستحق، خصوصا إذا كنت غير محتاج إليه في أي شيء.
تُرى هل فكرت في كيفية المعاملة الربانية لك؟! لنتأمل في تقلب الإنسان وممارساته الجاهلة مع ربه، وفي حلم الله عليه. يقول تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ( ويقول: (فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ).
كم نخطئ في حق الله المنعم المتفضل، ثم لا ينقطع عنا إنعامه! يدعونا لما يحيينا فلا نستجيب لدعوته، ويدعونا للجنة والمغفرة ودار السلام، وهو الغني المطلق، فنعرض عنه، ثم لا يعاجلنا بالعقوبة وهو القادر، بل يتواصل كرمه علينا، كأننا لم نقترف في جنبه معصية!!
هذا ما عبر عنه المقطع التالي من دعاء الافتتاح: فَلَمْ أَرَ مَوْلىً كَرِيماً أَصْبَرَ عَلى عبْدٍ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يارَبِّ. إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ وَتَتَوَدَّدُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالإحْسانِ إِلَيَّ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ.
ما أحوجنا نحن البشر للاقتراب من هذا الخلق الرباني الكريم، خصوصا في هذا الزمن الذي نسارع فيه للتباعد حتى داخل الأسرة الواحدة لأتفه الأسباب.