دقيقة تأمل
الشيطان كائن ذكي جدا، لديه معرفة عميقة بالإنسان وغرائزه ودوافعه. يجيد عمله المتمثل في إغواء الآخرين وإبعادهم عن صراط الله المستقيم إجادة عجيبة. يستخدم استراتيجيات وتقنيات مختلفة في إيقاع من يريد في شباك غوايته. وقد أقسم كما في سورة الأعراف أن يجتهد بكل وسيلة لبلوغ هدف وتحقيق مراده: قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17).
والشيطان صياد ماهر يُقدم لكل صيد طُعمه المناسب له. فقد يكون الطُّعم المال أو الجنس أو السلطة أو الشهرة أو حب البقاء والخلود وغير ذلك مما يدخل تحت عنوان الشهوات.
يدخل على الإنسان من باب الناصح الذي يريد به خيرا (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ)، ويظل يوسوس له ويستزله شيئا فشيئا من خلال خطوات مدروسة بعناية، بحيث لا يشعر بها المستهدَف، وهي المعبَّر عنها قرآنيا بخطوات الشيطان. حتى إذا تمكن من صيده وأوقعه في فخه، فارتكب المحظور، تركه إلى غيره، لأنه يحرص على عدم تضييع وقته.
من مداخل الشيطان الأساسية التي يقع فيها الكثير سوء الظن، وهو مدخل خطير جدا لا يتنبه إليه كل أحد، وذلك لدقته المتناهية. كما إنه يكون الخطوة الأولى لخطوات أسوأ تتمثل في التجسس وتتبع عورات الآخرين، ومن ثم ممارسة رذيلة الغيبة التي أصبحت وللأسف الشديد فاكهة بعض المجالس التي تقتات على لحوم الآخرين دون أن تشعر. يقول تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).
يقول الشهيد الثاني في كتابه (كشف الريبة في أحكام الغيبة): واعلم أنه كما يحرم على الإنسان سوء القول في المؤمن وأن يحدث غيره بلسانه بمساوئ الغير، كذلك يحرم عليه سوء الظن وأن يحدث نفسه بذلك. والمراد من سوء الظن المحرم عقد القلب وحكمه عليه بالسوء من غير يقين. وأما الخواطر وحديث النفس فهو معفو عنه، كما أن الشك أيضا معفو عنه. قال الله تعالى: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ). فليس لك أن تعتقد في غيرك سوءا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يحتمل التأويل. وما لم تعلمه ثم وقع في قلبك، فالشيطان يلقيه إليك فينبغي أن تكذبه فإنه أفسق الفساق وقد قال الله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بنبأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) فلا يجوز تصديق إبليس.