دقيقة تأمل
البعض يظن خطأ أن التربية تقوم على أسلوب تربوي واحد، هو الثواب والمكافأة. ويرى في العقاب أسلوبا متخلفا لا ينبغي الأخذ به في التربية الحديثة. ومنشأ ذلك الظن والرأي هو الفهم الخاطئ لمعنى العقاب التربوي، وحصره بوسيلة واحدة تتمثل في العقوبة البدنية، والممارسات الخاطئة الكثيرة لطرق العقاب بُغية تصحيح سلوك ما.
لا شك أن الثواب مقدم على العقاب عند ممارسة التربية، إلا أن بعض الحالات تستعصي على العلاج إلا بالعقاب. كما أن في وجود العقاب كخيار تربوي رادعا للبعض عن الإقدام على ارتكاب ما يستلزمه.
الله تعالى، وهو الحكيم المطلق، العالم بأسرار النفوس وما يصلحها، اللطيف الخبير؛ يأخذ عباده أحيانا بالعقوبة رحمة بهم، وتنبيها لهم عن الغفلة، وإيقاظا من السبات، وإيقافا عن الاسترسال في البعد عن صراط الله المستقيم.
يقول تعالى: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). فالعذاب الأدنى هو العقوبة الدنيوية من مثل الجفاف وحبس المطر والمصائب والكوارث والآلام وغيرها، أما العذاب الأكبر فالمقصود به عذاب الآخرة والعياذ بالله.
فمع أن الله تعالى غير محتاج لطاعة عباده، ولا تضره معصيتهم (إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) إلا أنه جل شأنه لا يرضى لعباده الكفر، ويريد لهم الخير والسعادة. يقول في سورة النساء:(يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا (28).
لذا فإنه حين يُنزل بهم عقابا دنيويا، فإنما يفعل ذلك لمصلحتهم (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).
بقي أن نشير إلى لفتة نقلها صاحب تفسير الأمثل. يقول: وهناك التفاتة أشار إليها بعض المفسّرين في أنّه لما ذا جعل "الأدنى" في مقابل "الأكبر"، في حين أنّه يجب إمّا أن يقع الأدنى مقابل الأبعد، أو الأصغر في مقابل الأكبر؟
وذلك أنّ لعذاب الدنيا صفتين: كونه صغيرا، وقريبا، وليس من المناسب التأكيد على صغره عند التهديد، بل يجب التأكيد على قربه. و لعذاب الآخرة صفتان أيضا: كونه بعيدا وكبيرا، والمناسب في شأنه التأكيد على كبره وعظمته لا بعده