دقيقة تأمل
قد تفصل بينك وبين عمل أو حدث ما مسافة زمنية أو مكانية شاسعة، ولكنك تكون بحسب موقفك منه مشاركا فيه أو منفصلا عنه. هذا ما تشير إليه الآيات والروايات. المسافة الزمنية الفاصلة بين نوح وإبراهيم (عليهما السلام) كانت بحسب بعض التفاسير 2640 سنة، ولكن القرآن الكريم يؤكد أن العلاقة بينهما تتجاوز الزمن، فإبراهيم من أنصار نوح وأشياعه بحسب المنطق القرآني (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ). وبنفس المنطق ألغى القرآن المسافة الفاصلة بين اليهود في زمنين مختلفين متباعدين. قال تعالى: (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ). فقد جاء في الرواية عن الإمام الصادق : قال: كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام، فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا.
في نهاية إحدى المعارك، قال له بعض أصحابه: وددت أن أخي فلانا كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على أعدائك. فوجّه له سؤالا يؤسس قاعدة مضطردة لمسألة الشهود والغياب. قال له: أهَوى أخيك كان معنا؟ فلما كان جواب صاحبه: نعم. قال له الإمام علي : فقد شهدنا. ولقد شهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمان ويقوى بهم الإيمان.
قد تكون شاهدا على حدث لم تحضره فيزيائيا، وقد تكون غائبا عن حدث كنت شاهده بجسمك. فالمسألة تتعلق بالموقف. وفي ضوء هذا نفهم إشراك القرآن لقوم من اليهود كانوا في عهد رسول الله في عمل قوم كانوا في زمن موسى (عليه السلام) إذ كفروا برسالته. يقول تعالى:
(فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ).
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت حبيبي رسول الله يقول: من أحب قوما حشر معهم ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم.