دقيقة تأمل
قد تكون الخطيب البليغ المفوه، ولديك أقوى الحجج والأدلة والبراهين التي تدعم فكرتك وتؤيد رأيك، ثم تستفرغ جهدك لإقناع الطرف الآخر بما عندك، ولكن المحصلة النهائية تكون مخيبة للآمال. في مثل هذه الحالة، وبعد أن تتأكد من قيامك بكل ما هو مطلوب منك على الوجه الأكمل، تنفس بعمق وتذكر من كان أبلغ منك، وأمتن حجة، وأعظم إخلاصا، ولكنه جوبه بردود عنيفة قاسية حين دعا مجتمعه لما فيه خير دنياهم وآخرتهم.
شعيب نبي من أنبياء الله اختاره على علم بأهليته الكاملة لتلك المهمة العظيمة. دعا قومه للتوحيد وحفظ الحقوق في المعاملات وعدم الإفساد في الأرض . وذكّرهم بالنعم التي يتقلبون فيها، وخوّفهم من العاقبة الوخيمة التي أصابت مَن قبلهم؛ ولكنهم أجابوه بمنطق العناد والتعصب (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ).
لا يمكنك أن تُفهِم من لا يريد أن يفهم، والسبب أنه أوصد كل منافذ التفهيم الموصلة لعقله، واستسلم لأهوائه وإملاءاتها. يقول تعالى في سورة الأنعام في شأن أمثال هؤلاء: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (25) وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (26).
لا تجلد ذاتك حين تؤدي دورك بإتقان، ثم لا تكون النتيجة كما كنت تريد. يتحدث القرآن في سورة الأعراف عن شعيب (عليه السلام) بعد أن أصاب قومه العذاب، فيقول: فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ.