دقيقة تأمل
يمكن أن يقاس نجاح مؤسسة من المؤسسات أو شركة من المؤسسات أو دولة من الدول بقدرتها على استقطاب الكفاءات. إذ أن مستوى القدرة في كل منها يكشف عن درجة الوعي داخلها، بخاصة لدى أصحاب القرار فيها، كما يكشف أيضا عن مدى جاذبية بيئاتها وتوفر الحاضنات الصحية فيها.
الشركات الكبرى في العالم لديها فرق استطلاعية تبحث في الجامعات عن المتميزين والمتفوقين في التخصصات ذات العلاقة بعملها، والنوادي الرياضية العريقة لا تتوقف استخباراتها عن رصد أي كفاءة رياضية محتملة حتى في الأندية الصغيرة التي لا تكاد تُرى بالعين المجردة.
ليس مهما بالنسبة لتلك المؤسسات والشركات والدول هوية الكفاءة وانتماءاتها الدينية أو العرقية أو السياسية أو غيرها. فالتركيز على مستوى الكفاءة والجدارة بالاستقطاب. المجتمع الأمريكي، على سبيل المثال، هو نموذج واضح للقدرة الاستقطابية العالية للكفاءات من مختلف أنحاء العالم.
أما المجتمعات في العالم العربي فهي على النقيض تماما، إذ إن معيار الكفاءة فيها لا يعني الكثير قياسا للمعايير الأخرى التي لا علاقة لها بالإبداع والإنتاج، كالمحسوبيات وأخواتها.
اكتشف ملك مصر، ولو متأخرا، أن وجود يوسف في السجن كان خطأ فادحا، لأنه تعطيل لكفاءة نادرة، وهدر لطاقاتها. لذا سارع إلى إطلاقه والإتيان به إليه كي يجعله مستشاره الخاص ويده اليمنى، فتستفيد منه البلاد والعباد (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي). وهكذا كان، إذ قلده أرفع المناصب استجابة لطلبه، كما جاء في سورة يوسف: فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55).
لم يكن يوسف من أهل مصر، وإنما هو غريب جيء به إليها عبدا بعد أن اشتراه عزيزها. ولكن ذلك لم يمنع الملك من استقطابه إليه، وضمه إلى فريقه، ليقوم بإنجاز أكبر مهمة في ذلك الوقت، تم من خلالها إنقاذ مصر وأهلها من كارثة محتملة.
تُرى ماذا كان سيحدث لو تم استبعاد يوسف عن المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية المناسبة حينها تحت أي من المبررات الواهية؟!