دقيقة تأمل
كيف أتأكد من صفاء نيتي وخلوص عملي من الشوائب؟ هل من اختبار ذاتي يكشف لي ذلك؟ سؤال يطرحه على ذاته من وفقه الله لمحاسبة نفسه قبل أن تُحاسَب، ووزنها قبل أن توزَن.
حين ينفق أحدنا من علمه أو ماله أو وقته أو جهده في سبيل الله مبتغيا وجه ربه الكريم، ثم يصاب بالإحباط والانتكاسة، وربما الانسحاب النهائي من ساحة العمل الديني أو الاجتماعي، لأن أحدا لم يقدر عطاءه أو يشكره؛ فإن عليه أن يراجع حساباته.
صحيح أن على المجتمع الالتفات إلى كل ذي فضل، لأن الشكر ومقابلة الإحسان بالإحسان من دأب وأخلاق المجتمعات الحية الناهضة؛ ولكن من غير الصحيح أن ينتظر ذو الفضل المخلص من أي كان شيئا من ذلك.
لنتأمل مليا في قوله تعالى على لسان المخلصين من عباده:﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً﴾ وقوله في سورة الليل في وصف الأتقى: ﴿الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى (19) إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى (20) ﴾.
فهؤلاء يقدمون ما يقدمون لا انتظارا لثناء أو مقابل من أحد، ولا ردا على معروف أسداه إليهم أحد (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى)، وإنما المطلوب عندهم أولا وأخيرا هو وجه الله جل شأنه. ومثل هذا يحتاج إلى معرفة يقينية عميقة بالله، وثقة بلقائه وجزائه، وإلى صبر جميل في الطريق إليه. فبدون الصبر ينفد الزاد في أول المسير. يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾. ويقول عن المطعمين لوجهه: ﴿وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ ويقول أيضا: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾.
إن ملاحظة الآيات التي تحدثت عن عاقبة الذين صبروا ابتغاء وجه ربهم تمد الإنسان بالطاقة القصوى التي يحتاجها لمواصلة السير، ويكفي في ذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يَرْضى ﴾ .
يتحدث الدكتور علي رمضان الأوسي في كتابه (البلاغي مفسرا) عن الشيخ محمد جواد البلاغي، قائلا: ابتعد عن حب الشهرة والمظاهر ابتعادا غريبا، حتى إنه كان لا يقبل أن يضع اسمه على كتبه لئلا يُشم من ذلك التبجح. ولقد سئل يوما عن سبب ذلك، فقال:"المقصود من عملي إبراز الحق والدفاع عنه من أي طريق كان، فلا فرق بين أن يكون قد جئتُ به أنا أو غيري، فالغاية العمل".