دقيقة تأمل
أن يتعود شخص على الدَّين، فيستدين لأقل سبب، بل حتى مع قدرته، فتلك مشكلة تحتاج إلى علاج سريع حتى لا تستفحل فيصعب التخلص منها. وأعظم من تلك العادة أن يتعود على التهرب من سداد الدَّين. سمعت ذات مرة هذه القصة: جاء أحدهم ليستدين من أحد الأشخاص مبلغا من المال، فقال له هذا الشخص: لا بأس. سأقرضك، لكن بشرط أن تُقبّل يدي. غضب طالب الدين من شرط صاحبه، ورأى فيه إذلالا له. فقال صاحبه مبررا شرطه: هذا لأني سأقبل قدميك لاحقا كي أسترد الدَّين.
للأسف، هذا ما يحدث أحيانا وأكثر. إذ قد ينكر المقترض الأمر من أساسه، خصوصا عند عدم التوثيق والإشهاد. وقد يتحول الصديقان إلى عدوين لدودين بسبب خلاف حول مبلغ القرض، ربما نسيه أحدهما.
لهذا وغيره جاءت آية الدَّين مؤكدة ضرورة كتابته: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾. كما تحدثت الآية عن الكاتب بالعدل من غير زيادة أو نقصان، وعن إملاء عقد الدَّين من المستدين أو وليه لا من الدائن، وفي ذلك إقرار منه وتوكيد على حق الدائن. وأيضا عن الإشهاد على الدَّين بشاهدين. هذه الاحتياطات جميعها لحفظ الحقوق بين المؤمنين. وهو ما ينبغي الاستفادة منه في كافة مجالات حياتنا، إذ تقع الكثير من الخصومات بين الأصدقاء بسبب غياب تفاصيل العقود والاتفاقيات فيما بينهم، اتكالا على الثقة المتبادلة.
وقد أشارت الآية الشريفة للهدف من كل ذلك في قوله تعالى: ﴿ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا﴾. يفصل الشيخ الأيرواني في كتابه (دروس تمهيدية في تفسير آيات الأحكام) بقوله:
إن كتابة العقد بتمام تفاصيله هي من العوامل المساعدة على تحقيق العدالة التي هي عبارة عن وضع الشيء في موضعه المناسب واللائق به، فكتابة التفاصيل عدل ووضع للشيء في محله اللائق به.
إن ذلك عامل مساعد على أداء الشهود –الذين شهدوا على التداين- لشهادتهم بشكل مطمئن وعلى الوجه الصحيح حيث إن لهم مستندا يستندون إليه.
إن ذلك عامل مساعد على عدم تحقق الاختلاف في الدَّين في المستقبل وعدم تناسبه ودفع الشك فيه.
تُرى هل سنقتنع بذلك؟ أم سنبقى نصر على عدم توثيق معاملاتنا المالية حتى يقع الفأس في الرأس لا سمح الله؟!