القلق حافز لإنجاز الأفضل ...
دقيقة تأمل
القلق بما هو حالة نفسية أمر طبيعي، بل مطلوب حين يكون محفزا للإنسان على إحداث التغيير الإيجابي في نفسه أو فيما حوله. ولعل من أهم دواعي القلق هو غموض المستقبل، مما يجعل الإنسان في حيرة من أمره لا يدري ما الذي ينتظره غدا أو بعد غد. وكلما كان المجهول ذا علاقة قوية بمصير الإنسان، كان القلق أعمق أثرا في النفس. الطالب قبل الامتحان يعيش حالة قلق، لأنه يترقب شيئا شبه مجهول بالنسبة له، وربما يتحدد مصيره الدراسي تبعا لنتيجته فيه. والمتقدم لشغل وظيفة ينتابه القلق قبل كل محطة من محطات المفاضلة والاختيار، لأن مستقبله الوظيفي مرتبط بتلك المحطة المجهولة ونتائج اجتيازها. وهكذا الحال في كل حالة مشابهة. وربما نستطيع القول بعدم وجود إنسان طبيعي لا يعرف القلقُ إليه سبيلا.
القلق يتحول عند البعض إلى حالة مرضية، فيستولي على كل شؤونهم، فلا يخرجون منه إلا إليه، ولا يبتعدون عنه إلا ليندكوا فيه. فالقلق يسيطر عليهم، وهم لا يستطيعون التحكم في مساره أو تأثيره، لأنهم استسلموا له، وأسلموه إرادتهم.
أما الناجحون فإنهم يقلقون أيضا، ولكنهم يتعاملون مع القلق بشكل مختلف. القلق بالنسبة لهم حافز لإنجاز الأفضل، وهو نوع من التحدي يولد لديهم استجابة موازية له أو تفُوقه. في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي أشارت للقلق الإيجابي، منها على سبيل المثال:
﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾. وفي سورة المعارج كان من بين صفات المصلين: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28).
ولكن هذا القلق الناجم عن الخوف من المستقبل كان له أثره الكبير في حياتهم، إذ كان حافزا ومحركا ودافعا لهم للعمل الدؤوب المتقن، وكان بالتالي سببا في فوزهم ونجاحهم.
يقول تعالى في سورة الطور على لسانهم يوم القيامة: ﴿ قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾.
فلنتعامل مع قلقنا بإيجابية، ولنكن عند مستوى التحدي دائما.