دقيقة تأمل
من يعيش حقا حالة الشعور العميق بأنه سيتعرض للمساءلة والمحاسبة عن كل صغيرة وكبيرة، يكون في خشية دائمة تجعله يتحرى ويتوخى الصواب في قوله وفعله وكافة شؤونه. وعلى النقيض منه ذلك الذي يغفل عن هذه الحقيقة، أو ينكرها تماما. فمثل هذا يعيش حالة من الانفلات، ويفعل ما يفعل دون أدنى اعتبار لمساءلة قادمة حتمية.
ومع الاعتراف بأن القليل هم من يعيشون الحالة الأولى بدرجتها العليا التي لا تتخلف كما يشهد بذلك الوجدان، فإن التذكير بحقيقة المساءلة مطلوب لتنبيه الغافل وترسيخ يقين الموقن. وإذا أراد الإنسان النجاة وعبور قنطرة المساءلة بأمان، فإن سبيلها الوحيد هو أن تنتظم حياته في جميع مفرداتها من اعتقادات وعبادات ومعاملات على أساس العلم والعلم فقط. لنتأمل في قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا﴾.
فهذه الآية الشريفة تنهى عن اتباع ما ليس للإنسان به علم، وتريد منا أن نتحول إلى مجتمع علمي، لا مكان فيه للظنون الواهمة والنقولات الساذجة والاعتقادات المبنية على غير أسس سليمة وقواعد متينة. كما تبين أن أدوات المعرفة البشرية الحسية والعقلية (السمع والبصر والفؤاد) مسؤولة ومحاسبة، مما يحتم مراقبة مدخلاتها ومخرجاتها.
تُرى إلى أي مدى تحضرنا هذه الحقيقة، فلا نبني مواقفنا وأفكارنا وأفعالنا على مجرد الظنون التي لا تغني من الحق شيئا؟! كم نجهد أنفسنا في البحث والتحري قبل أن نصدر حكما ضد أحد أو نتخذ منه موقفا؟
إن حاجتنا في الزمن الراهن ماسة جدا لتحصيل العلم بالشيء قبل اقتفائه واتباعه، فالتقنيات الحديثة جعلت التزوير والفبركة أدوات سهلة في أيدي العابثين، مما يجعل الإنسان الطالب للنجاة يقدم الشك على التصديق حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود.