دقيقة تأمل
مواجهة الحقيقة المرة بشجاعة
عند الإخفاق في موقف ما، تبحث المجتمعات أو الدول الفاشلة عن أوهى المبررات، وتحاول أن تختلق الأعذار لتستر سوءات إخفاقها وأسباب فشلها. وربما كما شاهدنا في كثير من الأحيان يتحول الفشل الذريع إلى قصة وهمية من قصص النجاح.
في معركة 1973 بين العرب وإسرائيل كانت القوات المصرية في الفترة من 6 إلى 13 أكتوبر تكبد العدو خسائر فادحة وتقترب من النصر، لكن قرارا سياسيا خاطئا تم اتخاذه رغم معارضته من القيادة العسكرية وعلى رأسها رئيس رئيس أركان الحرب الفريق سعد الدين الشاذلي، كما يذكر في مذكراته عن حرب أكتوبر؛ تسبب هذا القرار في إحداث ما عُرف بثغرة الدفرسوار، أو ما يمكن أن أسميه بثغرة الانتحار. يقول الشاذلي: كان علينا يوم 14 من أكتوبر أن نهاجم 900 دبابة معادية في المكان الذي يختاره العدو لهذا اللقاء وتحت سيطرة جوية معادية بقوة 400 دبابة مصرية فقط. هل كان هذا القرار نتيجة الجهل أم المقامرة أم الخيانة؟ ما زال هناك كثير من الغموض يحيط بهذا الموضوع. لقد نجح العدو في استدراج ألويتنا المهاجمة إلى مناطق قتال اختارها بعناية، ونجح في تدمير معظم دباباتنا. لقد فقدنا في هذا اليوم الأسود 250 دبابة، وهو رقم يزيد على مجموع خسائرنا في الأيام الثمانية الأولى للحرب. انتهى كلام الشاذلي في الصفحة 409 من الكتاب. وفي الصفحة 412 كان العنوان البارز: بماذا يبرر السادات خطأه؟
فالرئيس المصري الأسبق (أنور السادات) لم يتوقف عند هذا الخطأ القاتل، أو يشكّل لجنة لتقصي الحقائق واستخلاص الدروس والعبر، بل حاول جاهدا أن يبرر قراره الفاشل، وبقيت أسباب القرار محاطة بالغموض حتى يومنا هذا.
في غزوة أحد، كان هناك إخفاق بعد نجاح، فنزل القرآن متحدثا عن ذلك بكل وضوح، مبينا أسباب الفشل، معلما إيانا درسا بليغا بأن لا ندفن رؤوسنا كالنعام في الرمال، وأن نواجه الحقيقة المرة بشجاعة. لنتأمل في الآية 152 من سورة آل عمران وما بعدها:
﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾.