دقيقة تأمل
خطوات نحو التقدم
أن تُقدر خصمك حق قدره، فتعرف إيجابياته وسلبياته، ونقاط قوته وضعفه، وتعترف له بما يمتلكه من قدرات وإمكانيات؛ فهذا قمة الرشد ومفتاح من مفاتيح النجاح.
مما ابتليت به المجتمعات الإسلامية في عصور تخلفها التي لا تزال فيها عدم معرفتها بالآخر، أيا كان الآخر. وإذا جمعنا لذلك عدم معرفتها بذاتها تكتمل دائرة الجهل التي هي منشأ كل الكوارث التي حلت وتحل بها، من استبداد وانسداد أفق التنمية على مختلف الصعد.
أولى الخطوات نحو التقدم والرقي تتمثل في معرفة الفجوة الفاصلة بينك وبين الآخر المتقدم. ولن تتيسر تلك إلا بمعرفة الذات وموقعها الراهن معرفة واقعية غير محابية، ليس فيها تهويل ولا تهوين، ثم معرفة الآخر وموقعه الحقيقي أيضا معرفة موضوعية.
لنتأمل في قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ)، وكيف وصف القرآن بعض أعداء المسلمين وصفا يحكي واقعهم ويبين شدة بأسهم في الحروب، فلم يقلل من شأن قوتهم وقدراتهم، وإنما أنصفهم في حديثه عنهم. وفي هذا أبلغ الدروس التي نحن بأمس الحاجة لها اليوم، إذ إننا، وللأسف الشديد، لا نتمكن من ممارسة الإنصاف حتى مع المختلف عنا اختلافا يسيرا، فضلا عن المختلف كثيرا، أو المصنف في قائمة أعدائنا الحقيقيين أو الوهميين وما أكثرهم.