دقيقة تأمل
من استوى يوماه فهو مغبون
البعض يغلق على نفسه جميع نوافذ المعرفة، مكتفيا بما عنده، ظانا أن الحقيقة كلها في قبضته. هذا النموذج سواء تمثل في فرد أو مجتمع فإنه يحكم على نفسه بالإعدام من حيث لا يدري، فإن من يتوقف عن التطور هو في حكم الميت. عن الإمام الصادق : من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة.
لنتأمل في الآيات التالية، وهي تتحدث عن التصرفات غير الرشيدة التي يقوم بها أولئك الذين يوصدون الأبواب عليهم في وجه اكتشاف الحقيقة.
﴿وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ﴾.
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
﴿وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً﴾.
إن أمثال هؤلاء ممن يعطلون قدراتهم وإمكانياتهم وطاقاتهم يرتضون لأنفسهم مقاما في الدرك الأسفل من الحيوانية، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾.
وعلى الطرف النقيض يقف المنفتحون الواعون القادرون على التمييز (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ).
كل فرد وكل مجتمع يقف بين خيارين: خيار الانغلاق المتحجر على الذات وسد منافذ المعرفة، وخيار الانفتاح الواعي على العالم ببصيرة. وعلى ضوء اختياره يتحدد موقعه، فيكون من ﴿أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ﴾ أو من ﴿أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللَّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ﴾.