دقيقة تأمل
أستطيع مطمئنا أن أدعي أن مساحة ما يجهله العالم اليوم أكبر بكثير مما يعلمه، وذلك برغم الاكتشافات العلمية الهائلة التي لا تتوقف حركتها أبدا. يدرك حقيقة ﴿وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ بشكل أعمق، من إدراكي وأمثالها لها، العلماءُ الأفذاذ في مختلف تخصصاتهم، ولذا فإنهم يظلون في نهَم دائم لاكتشاف المزيد، وفي بحث مُضنٍ للوصول إلى آفاق لم تخطر على بال من سبقهم.
الله سبحانه وتعالى ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ و ﴿الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ على مستوى التكوين، وكذلك على مستوى التشريع ليكون موائما لكل زمان، مناسبا لكل مكان. ولكن الإنسان أحيانا، بسبب جهله وغروره، يحاول أن يقفز فوق هذه الحقائق زاعما أنه يمكنه صياغة التشريعات الأكثر موافقة له كإنسان حسب تصوره، وكأن الخالق لا يعلم أسرار خلقته، وما يصلح لها وما لا يصلح ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، وكأن الإنسان أدرى بشؤونه من خالقه جل وعلا (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ).
من يفقه القوانين الطبيعية ينجح في تذليلها وتسخيرها لرقيه المادي، كذلك من يفقه كتاب التدوين يمكنه أن يعيش حياة طيبة مطمئنة، خالية من الصراع بين الطين والروح. ونحن نحتاج كلا الفقهين.
ما يحتاجه إنسان اليوم هو مزيد من التواضع الباعث على الشغف المعرفي المفتوح على الكون كله، بغيبه وشهادته.