الإمام المُدرّسي : الثورات على الظلم بحاجة الى المنظومة القرآنية والمناقبيات الاخلاقية لتحقيق الانتصار
قال سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي ( دام ظله) ان ثقافة الانسان بمنزلة (المقود) الذي يحركه في مسيرة الحياة، فاذا كانت ثقافة الخنوع والجمود والاستسلام فان المآل سيكون حكم الطاغية الظالم، أما اذا كانت ثقافة الكرامة والمسؤولية والإباء، والتضحية من اجل الدين والقيم السماوية، فان النتيجة ستكون بعكس ذلك.
واضاف سماحته في محاضرته الاسبوعية التي القاها بحضور جموع من الوفود والفعاليات الاهلية والزائرين، بمكتبه بمدينة كربلاء المقدسة، أنه وعلى مرّ التاريخ ولغاية الأن تجد أن هناك "شعوب خانعة ترضى بأقل شيء وتهيمن عليها سلطات الطغاة، ولفترات طويلة يستعبدونهم يسومونهم سوء العذاب، ولكنهم لا يثورون ولا يتمردون وحتى تجد ان بعضهم يستمرء العذاب وكأنه عذب !، ومن الشعوب شعوب تتحدى ولكنها اشبه ما تكون بنار السعفة لها فورة وليست لها ثورة، وسرعان ما تخمد.
ومنها من يملك العزيمة والارادة و الثورة ويتحدى الطغيان ولكنها مع ذلك قد تفشل واذا بالطغاة ينتصرون عليها فما هي الفوارق ؟ ولماذا شعب يثور ويتمرد وينتصر؟ وشعب اخر يفعل مثل ذلك ولكنه يفشل؟".
واضاف "اليوم حيث تجتاح الامة الاسلامية والعالم العربي موجة من حركات الاحتجاج ومن الثورات، علينا أن نطرح هذا السؤال على القران المجيد لسببين الاول : اننا امرنا بان نستنطق القران، و نتدبره لاستلهام الجواب، الثاني : ان القران كتاب التوحيد وهو كتاب ومنهج الامة كما يتفترض ولايتناسب وجود الحكومات الطاغية ووالظالمة والتي تستعبد الناس والتي تعيث في الارض فسادا مع منهج وكتاب توحيد الله في العقيدة وفي السلوك و الاخلاق و الطاعة ..".
وقال سماحته ان العامل الاساس هو " الثقافة عند الانسان فهي بمنزلة (المقود) في حركته، فحينما تكون ثقافته هي الجمود والتبرير و الخنوع والاستسلام، فانه سيكون مستضعفا من قبل الطواغيت والظلمة، فيما المعادلة ستكون مختلفة عند من يمتلك ثقافة التحدي والتصدي..وهي الثقافة التي اتى بها الاسلام ليقول لا تكن عبداً لغيرك وقد خلقك الله حراً..".
واضاف " القران جاءنا ببصائر الحرية الكرامة، و قال للانسان انت انسان ويمكنك ان تصير في مقعد صدق عند مليك مقتدر، و ليس هناك شعب افضل من شعب، وانسان احسن من انسان، بل (ان اكرمكم عند الله اتقاكم) ..لذلك الوضع اختلف عما قبل الاسلام، لكن جاء أناس وحاولوا تغيير مفاهيم القران بطريقة او باخرى يردون الناس الى حالة العبودية مثل ما فعل بنوا امية ومع الاسف تلك الثقافة الى الان موجودة ".
وفيما يتعلق بالثورات على الظلم والطغيان قال سماحة المرجع المدرسي: ان مجرد الثورة والتصدي غير كافٍ، اذ لابد ان تكون هناك برامج واضحة لنجاح الاحتجاجات والثورات، والقران الكريم يبين هذه البرامج في (سورة الانفال)، التي تقدم لنا منظومة لنجاح الثورات والتحركات ضد الظلم والطغيان. وعدّها سماحته كما يلي:
أولاً: الثبات ﴿يا ايها الذين امنوا اذا لقيتم فئة فاثبتوا﴾.
ثانياً: ذكر الله دائما ﴿واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون﴾اي تحققون اهدافكم.
ثالثاً: الطاعة الخالصة لله تعالى وللرسول الأكرم. وعدم استعجال النتائج والمكاسب ﴿واطيعوا الله ورسوله﴾ .
رابعاً: الوحدة وعدم التشتت،﴿ولا تنازعوا فتفشلوا﴾. وهو النزاع على المغانم والدنيا، فالنزاع يسبب ضعف الارادة، ويسبب انهيار نفسي وكم هي الثورات التي فشلت بسبب هذه النزاعات الطفيفة وفي التاريخ امثلة عديدة (وتذهب ريحكم) عزتكم وقدرتكم و همتكم تضعف بالخلافات.
خامساً: الصبر﴿واصبروا﴾، و يعني أن يكون الانسان متوجها الى المستقبل ولا يكون في عجل من امره. من اجل تحول كبير في بلد لايمكنه أن تزرع اليوم وتحصد غدا، كما أن الثورات بحاجة الى خلوص النية ف ربنا يقول ﴿ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء الناس﴾.
وقال سماحته في هذا الاطار " الذي نستطيع ان نفهمه في مرحلتنا، أن التخلص من الجبابرة والطغاة والظالمين بحاجة الى همة عالية و الى اخلاقيات و مناقبيات كبيرة يجب ان تتحلى بها الامم الصابرة المتحدية ولابد ان ندرس هذه المناقبيات في القران الكريم في روايات اهل البيت وبالذات في كتاب نهج البلاغة الذي هو نهج المسيرة الانسانية نحو الحرية".
واشار سماحته الى الواقع المأساوي الذي تعيشه شعوبنا في الوقت الحاضر، وقال أن "نبأ تهديم اربعين مسجداً في البحرين من قبل القوات السعودية، وكل هذه الجرائم والانتهاكات الا تهز الضمير في هذا العالم؟ " واضاف " اذا هدمت كنيسة واحدة في اي منطقة في العالم فانه كله سيرفع صوته عالياً.. لماذا لا يفكر ويواجه المسلمون هدم هذه المساجد؟ ووقوع هذه الانتهاكات ،وكيف سيكون جوابهم يوم القيامة أمام الله تعالى؟" .
واضاف سماحته شواهد من المظالم الفضيعة التي يواجهها الشعب البحريني بأن هنالك الف انسان معتقل لغية الأن فيهم الكثير من النساء والفتيات، فيما يتسلم الاهوالي بين فترة واخرى جثامين شهدائهم الذي يعذبون في السجون بما فيهم النساء،، فأين العالم من ذلك ولماذا هذا الصمت، حتى فرعون لم يقتل النساء في عهده، لماذا العالم صامت ازاء هذه الوحشية ؟ ولماذا المؤمنون ساكتون؟، اليس الساكت عن الظلم شريكاً فيه وشريكا للظالم كما تقول الروايات الشريفة .."
ودعا سماحة المرجع المدرسي في ختام محاضرته الى هبة واحدة انطلاقاً ممن اخلاق التصدي، وقال ان هذه اخلاق الاسلام والقران واخلاق نهج البلاغة واخلاق الامام الحسين ، وان الذي يحمل ثقافة وتربية المنابر الرسالية والشعائر الحسينية يجب ان لا يبقى ساكتاً على الظلم سواء الظلم في بلده أو في أي بلد اخر.