الليلة الأولى من فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي
الرابع لشهر محرم الحرام لعام 1432هـ
ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي الرابع لشهر محرم الحرام لعام 1432هـ كانت المحاضرة الأولى بعنوان " عاشوراء... ووعي المجتمع " لسماحة الشيخ فاضل الجامد.
بعد رفع التعازي لمقام ولي الله الأعظم الحجة بن الحسن «عج» بحلول ذكرى عاشوراء ذكرى فاجعة الطف واستشهاد الإمام الحسين وعائلته وأصحابه الكرام، ابتدأ سماحة الشيخ فاضل الجامد محاضرته متسائلاً: لماذا إقامة عاشوراء؟ ولماذا كل عام نحي عاشوراء؟ ولماذا أراد الأئمة التركيز على إقامة عاشوراء في كل جيل حتى صارت عادة متأصلة في وجداننا الديني؟ ولماذا هذا الإصرار على الخط العاشورائي؟ حتى أننا صرنا نقرأ الكم الهائل من الروايات الحاثة على زيارة الإمام الحسين وفضل البكاء والتباكي عليه وحث الأئمة الدائم لإقامة مجالس العزاء. مستشهدا بما روي عن الإمام الصادق حيث يقول لفضيل: تجلسون وتحدثون؟.. قال: نعم جعلت فداك!.. قال: إن تلك المجالس أحبّها فأحيوا أمرنا يا فضيل، فرحم الله من أحيى أمرنا.
وأشار إلى أن سرّ التأكيد على إقامة هذه المجالس لا ينصب فقط على جانب المثوبة والأجر، بلحاظ المثوبات العظيمة الموعودة عليها كعمل تعبدي فقط، وان كان لسان جل الروايات المتعلقة بهذه المسألة على ذكر المثوبة فقط، لابد من تفسير الروايات من جانب الآثار المترتبة على إقامة هذه الشعائر والتي من أهمها الأثر التربوي لما تحويه من مضامين روحية ومضامين تربوية.
وعندما نهض الإمام الحسين نهض بأهداف للأمة الإسلامية في كل جيل، وهذه النهضة الإسلامية كان لها أهداف يجب علينا أن نعيها، لأن الهدف من إقامة عاشوراء على مدى الزمن أن تنتج حالة حسينية في كل مرحلة وان يكون هناك حسينيون في كل جيل يتمثلون أهداف الإمام الحسين ويسيرون على نهجه.
واستشهد سماحته بقول الله تعالى ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ والتي تشير إلى أن الإنسان قد يمر بحادثة معينة لكنه بعد فترة من الزمن قد ينساها، وقد تمر على إنسان آخر حوادث وذكريات فيتأمل فيها «لماذا وكيف»؟ مشيراً سماحته إلى أن هذا التأمل والتعقل إيجابي وهو ما يسمى بالوعي والبصيرة وهو ما أراده الإمام الحسين بأن يعي المجتمع نهضته وثورته.
وأشار سماحة الشيخ بأنه لابد لنا أن نعرف ما هو الوعي الذي يراد منا من خلال أهداف الإمام الحسين؟
مشيراً إلى تعريف للوعي بأنه عبارة عن الفهم الفعال الإيجابي المحقق للإسلام في شخصية المسلم ويتأصل فيها، ويستأصل جذور المفاهيم المغلوطة السابقة استئصالاً كاملاً، ويحوّل فكر الإنسان من فكر منحرف إلى فكر إسلامي صحيح.
أولا: الالتزام بالحق
إن النهضة الحسينية أرادت خروج الناس من التيه والظلام الذي كانت تعيش فيه الأمة بعد التراكمات السياسية التي حدثت بعد وفاة رسول الله وأدت إلى وجود خلل في الأمة، وأن الأمام الحسين أراد أن يبيّن أن الحكومة ليست أهلاً للحكم، وأنها ظالمة لا تتبع الحق لأنهم لزموا طاعة الشيطان وهو خط الظلم والجور، وتركوا طاعة الرحمن، مستشهدا بقول الإمام الحسين : «ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه» فهذه الحالة أفقدت الأمة والناس الوعي والبصيرة وان الإمام الحسين بنهضته أراد أن يرجع الناس إلى دائرة الحق.
ثانيا: توطيد العلاقة مع الله
بيـّن سماحة الشيخ بأن توطيد العلاقة مع الله هو من أعظم الطرق الموصلة للوعي والبصيرة في جميع الحالات فلا بد أن تكون هذه العلاقة على علم ومعرفة لتكون سداً واقياً لمواجهة الانحرافات، ولابد أن تكون العلاقة مع الله علاقة قوية وليست علاقة موسمية وقتية وفي الرواية «نوم على علم خير من عبادة على جهل» فكيف تقوى العلاقة وهي على جهل؟ فالقيمة الحقيقة للعبادة هي صنع موقف واعي في مواجهة الانحراف، وهو ما أكد عليه القرآن الكريم «إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ».
ثالثا: قراءة الواقع
أشار إلى أنه لابد من دراسة كل واقعه من كل النواحي لكي لا تغيب عنا بعض الأمور حتى نخرج بالنتيجة الصحيحة للواقعة وبرؤية سليمة... بأن تكون قراءة الواقع في كل قضية من جميع جوانبها السياسية وتربوية والأخلاقية والأسرية وغيرها.
وبيـّن أن الإمام واجه في نهضته مثل هذه النماذج التي تقرأ الواقع قراءة سطحية، لأنهم لا يملكون وعيا وبصيرة لحركته وتعاملوا مع هذه النهضة تعاملا بسيطاً وساذجاً، ومن هؤلاء عمر الأطرف «أخ الإمام الحسين» الذي حاول أن يقنع الإمام الحسين بالعدول عن رأيه في الخروج من مكة المكرمة، لأنه لم يقرأ نهضة الإمام قراءة واعية من كل الاتجاهات، فعندما أراد الإمام الحسين أن يخرج نحو كربلاء في أول حركته خرج وقت دخول الناس لمكة حيث أراد أن يوجه ويعلم الناس إلى أن هناك أمراً خطيراً وان عليهم أن يعو هذه الحركة.
أشار سماحته إلى إن الوعي والبصيرة لا يكونا ذات قيمة إلا إذا تحوّلا إلى سلوك والتزام قال تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، فحب الله لا يكونُ حباً واعياً إلا إذا اتبعنا الرسول وأن النتيجة في إتباع الرسول هي «يغفر لكم ذنوبكم»، فلابد لنا أن نخرج هذا الوعي النظري إلى وعي عملي تطبيقي، فالعاطفة الحسينية التي تعبر عن الولاء لا تكون صادقه إلا إذا ترجمت الأهداف والشعارات التي أطلقها الإمام الحسين ، إلى وعي وحركة وسلوك خارجي والتزام، حتى يكون حبنا للإمام حباً صادقاً وليس حباً وقتياً، فلن نكون حسينيين عندما يتناقض حبنا مع أهداف الإمام الحسين والتي هي تمثل مبادئ الإسلام.
وشدد سماحته على أهمية أن نكون على علم وبصيرة حتى يتحول فكرنا على سلوك سوي وليس سلوك أعمى ومضلل يضلله الإعلام والشعارات الزائفة.
أشار سماحة الشيخ الجامد أهمية أن نضع الحوادث والأمور في دائرة الشك والاتهام حتى نبحث ونسأل عن الحقيقة، فليس كل ما يصل إلينا نقياً، فقد دست في وقائع أهل البيت الكثير، لذا لا بد لنا أن لا نضع كل ما نسمعه في المسلّمات، فمسألة أنك تبكي على الإمام الحسين ثم بإمكانك أن تفعل ما تشاء من منكرات هذا أمر قبيح ومرفوض، وللأسف أن مثل هذه الأمور موجودة، فالإمام عندما يريدنا أن نبكي عليه يريد أن يخلِـق لنا البكاء حالة وعي وإرشاد.
كما شدّد على عدم الإساءة والتشويه لرسالة الإمام التي أراد حملها للعالم والأمة وبأسرها، وهي تعبر عن مجموعة من الأهداف والتي من أهمها الدفاع عن الإسلام ومبادئه وقيمه على كل المستويات «الفرد، الأسرة، المجتمع» كلا حسب طاقته وعمله، حتى داخل المنزل فعندما يغزونا هذا الغزو الثقافي الموجّه «الانترنت والفضائيات..» يجب علينا أن نعرف آلية التعامل مع هذه الأمور بوعي، وإلا أصبحنا أمَّعة.
وكذا نرى المجتمع يزخر بالكثير من القضايا كالعنف الأسري والعنف المسلح وتجمعات التفحيط وغيرها، ومن يفعل مثل هذه القضايا هم أبناء المجتمع وليسوا من الخارج، فهم أبنائنا وإخواننا، مشدّداً على أهمية التكاتف الاجتماعي والأسري بالنصح والإرشاد وإلا سينطبق علينا ما قاله الشهيد الصدر «قده» بعد أن استعرض عمق المرض الذي شاع في الأمة حيث قال: «أسأل الله أن لا يجعلنا نقتل الإمام الحسين ونحن نبكي عليه، ولا نقتل أهدافه ونحن نبكي. فالإمام الحسين ليس إنساناً زمناً معيناً، فهو الإسلام كله».
وختم سماحته محاضرته بقوله: لابد أن نفتح عقولنا على ما أراده الإمام الحسين ، ففي كل سنه تمر علينا ذكرى عاشوراء، ولكن هل اختلف حالنا عن السنة الماضية؟ فإذا ظل كما هو بسلبياته فإننا لم نتفاعل مع أهداف عاشوراء، ولا مع قيم الإمام الحسين لأنه نهضته نهضة تغييريه في الفرد والمجتمع.
""السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ""