المرجع المدرسي: العالم بانتظار سفينة النجاة
بيان سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي «دام ظله الوارف» بمناسبة حلول شهر محرم الحرام عام 1432 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطاهرين.
لماذا العالم ينتظر سفينة النجاة المتمثلة في الإمام الحسين ولم لا؟
وما هي عناصر النجاة؟
أوليس ذلك مكتوباً على ساق العرش... أو ليست بصائره تهدينا إلى سبل السلام وقوة العزم تنشطنا لتنفيذ تلك البصائر؟
بلى وفي عاشوراء الإمام الحسين كلا الأمرين فهو إمام هدى مثل القران الكريم في كلماته وفي سيرته وهو سبط الرسالة الذي قال فيه جده رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: «حسين منى وأنا من حسين»، بلى إنه القرآن الناطق.
وهو - إلى ذلك - صاحب أكبر ملحمة عبر التاريخ وأعظم فداء من أجل الحق مما الهم الأجيال حماسة لا تنتهي وعزماً عظيماً لا يزداد عبر الزمان إلا شدة وعنفوانا.
العالم في زوبعة الأزمات
الرعب النووي والإرهاب والمخدرات والأزمات الاقتصادية.. ذلك عنوان الزوبعة التي تحاصر العالم اليوم، فهل من نجاة إلاّ في سفينة أبي عبد الله الحسين ؟
الآلف القنابل النووية شديدة التدمير تخيم على أفق الأرض بسحابة من الرعب..
ولكن لماذا فشلت كل المحاولات في التخلص منها بالرغم من معرفة الجميع بأنها لا تجدي نفعاً وأنها تهدد الأرض بكارثة كبرى، بصراحة إنهم عاجزون عن احتوائها.. بسبب فقدهم للإرادة الكافية وبسبب انعدام الثقة فيما بينهم.
والسؤال: إلى متى يعيش العالم في هذه الحلقة المفرغة؟ والأنكى من كل ذلك إنهم لا يزالون في تسابق خطير لتطوير هذه الأسلحة والتي تستهلك ما لا تحصى من ميزانيات الدول، بلى وحده العودة إلى الله سبحانه وإلى أولياءه كفيل بإعطائهم البصيرة والعزم لتجاوز هذه المحنة والخروج من هذه الحلقة المفرغة.
أما الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة فإنها محاور الشر المستطير والتي تهدد استقرار البشرية وأمن الشعوب فهل يستطيع العالم التخلص منها؟
كلا.. كل الإحصائيات الدولية تشير إلى مضاعفة هذا الشر كل بضعة أعوام، لماذا؟
أو ليسوا قد جندوا إمكانات هائلة لمواجهتها؟
بلى.. ولكن أقول تنقصهم البصيرة الكافية والعزم الشديد وإنما يستطيع العالم النجاة من كل ذلك إذا استضاء بمصباح الهدى لسبط الشهيد واستمد روح التضحية منه، لماذا؟
لأن العبور من الأزمات الحادة ليس سهلاً وليس ممكناً من دون عزيمة تتجاوز المادة إلى الروح والدنيا إلى الآخرة وتتجاوز بالتالي الخوف من الموت إلى استقباله برحابة صدر.
بلى.. بمثل هذه العزيمة التي قال بها الإمام الحسين : «إني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برما».. يستطيع العالم بهذه العزيمة النجاة من ذلك الشر المستطير.
أما الاقتصاد الدولي فانه على شفا الانهيار، ليس فقط لأن الاستهلاك أكثر من الإنتاج وإنما أيضاً لأن الكبار قد تعلموا على العيش على مائدة الصغار، فأفلسوهم.. فلم يعد لديهم المزيد فعلى ماذا يعيشون؟
إن مشكلة الديون التي تعاني منها أغلب الدول الكبرى ليست طارئة ولا قابلة للحل ببساطة، والسبب أن الجميع يريد حلاً لمصلحته وعلى حساب الآخرين مما جعل العالم في دوامة من أزمة ثقة حادة، ولا أحد يملك رؤية واضحة ولا عزم شديد تجاه حل هذه الأزمة.
وإنما بالتمسك بأهداب الشريعة الغراء وبنهج الإمام الحسين ذلك المصباح المضيء، سوف يكتشفون الحل.. وبروح التضحية والفداء التي يستمدونها من ملحمة كربلاء ومن ظلامة الإمام الحسين سوف يتغلبون على المشاكل بإذن الله تعالى.
وعلى المسلمين ـ بصفتهم الأمة الشهيدة والشاهدة على العصر والتى يقول عنها الرب سبحانه: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ ـ عليهم أن يتحملوا المسئولية في إنقاذ البشرية.
إنهم اليوم مسئولون لكي يقوموا بدورهم الحضاري العظيم في الأرض وذلك بعد أن يتخلصوا من التخلف والتمزق ويبنوا كيانهم المستقل، ثم ينطلقوا في الأرض لإنقاذ أهلها من الأزمات الكارثية، ولكن كيف؟
1. في بصائر الوحي هدى وضياء وخريطة طريق كذلك لو أننا قرأنا القرآن كما انزل وفسرناه بأحاديث النبي وأهل بيته عليه و ومن ثم إستضئنا به لمعرفة واقعنا، بتعبير آخر لو حولنا الوحي إلى حزمة نور نسلطها على خبايا عصرنا الراهن لعرفنا كيف نسير وفي أي اتجاه نتحرك.
إن مشكلتنا تتمثل في أننا نقرأ القرآن وكأنه نزل لغيرنا، كلا.. إن مثل الوحي كمثل الشمس تشرق كل يوم على أهل ذلك اليوم، وهكذا فإن كل آية وكل حديث له تأويل وتطبيق على واقعنا، كلمة بكلمة.. وحرفاً بحرف.. وإنما علينا التدبر في القرآن والدراية للحديث لنستضيء بهما ونهتدي إلى الحلول الناجعة لمشاكل العصر.
2. والسيرة بما فيها من اضاءات وبما فيها من ظلامات وبما فيها من حماسات نادرة إنها تزود أمتنا بالمزيد من العزم والهمة ومن الاستقامة والصبر ومن الحيوية والاجتهاد ولكن شريطة أن نقرأها قراءة توصل التاريخ بالواقع حتى نستخلص عبره ونستوحي روحه ونستحضره في واقعنا بما فيه من حماسة وولاء ومن اضاءات وشعائر، وهكذا تتفعل ظلامة النبي وأهل بيته صلى الله عليهم في حياتنا وتجري في عروق أبناء الأمة عزمات إبائهم، فإذا بهم يتمثلون أمجادهم من جديد.
وفي هذا السياق يتجلى دور الشعائر الدينية وبالذات الشعائر الحسينية في استحضار التاريخ ودروسه وحماسته، بلى.. إن الشعائر بكل صيغها وكيفياتها إنها الجسر الذي يوصل أمتنا بماضيها ويجدد بناء الأمة بصياغة عصرية.
وهنا يبرز دور الخطباء باعتبارهم المتحدثين باسم النهضة الحسينية والمجددين لروحها في كل عام، إن دورهم ريادي وحساس، فعليهم أن يتحدثوا عن السبط الشهيد وعن أهل بيته وأنصاره بطريقة وكأنهم بيننا وعلينا أن نعيش همَّهُم ونقتدي بهم ونتمثل سيرتهم الوضيئة وشعارنا أبداً «يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزاً عظيماً».
وهكذا تتحول كربلاء كل أرض.. وعاشوراء كل يوم.. ونصبح بإذن الله سبحانه من أنصار الإمام الحسين ويومئذ نستدر رحمة الله ورضوانه وينصرنا الله بفضله على أعدائنا.
علينا ألا نحصر ملحمة الطف الأليمة والعظيمة في إطار شعب أو قوم أو حتى ملة معينة؟
كلا.. إنها قضية كل إنسان لأنها كانت من أجل كل إنسان، لقد كانت رسالتها عالمية وعلينا طرحها على مستوى العالم ومن أجل نجاة البشرية جمعاء، أولم يكن الإمام الحسين امتداداً لجده النبي الأكرم محمد ؟..
أوليس ربنا قد أرسل النبي الأكرم رحمة للعالمين؟..
وإذا كان ساق العرش قد زين بهذه الكلمة: «إنه ـ أي الإمام الحسين ـ مصباح هدى وسفينة نجاة»، أوليس ذلك يعني أن ذلك المصباح يضيء الكائنات جميعاً وأن تلك السفينة للخلق أجمعين؟..
إن العالم اليوم أصبح أكثر انفتاحاً، ووسائل الاتصال أصبحت أيسر وأسرع وتعطش البشرية إلى هدى الله سبحانه وإلى الخلاص من مشاكلها قد أصبح أكثر إلحاحاً، فتعالوا نستفيد من هذه النعم وندعوا البشرية إلى خط السبط الشهيد ونشرح لهم ظلامته وعبر شهادته لعلهم ينتفعون بمصباح هداه ويمتطوا سفينة نجاته والله المستعان.
محمد تقي المدرسي
كربلاء المقدسه