الإمام المدرسي : جوهر الشخصية النبوية
انطلاقاً من قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب / 21) نستلهم من سيرة الرسول المباركة عبراً ودروساً نستضيء بها في طريقنا الشائك الذي نسلكه الآن من أجل انتصار العدالة والحرية في الأرض، ومن أجل تحقيق حكم الله عز وجل تحقيقاً كاملاً .
- وفي هذا المجال نطرح السؤال المهم التالي :
-ماهو جوهر هذه الشخصية الرسالية التي لم يخلق الله تعالى لها مثيلا من قبل ولا من بعد؟
-وما الذي جعل الرسول وهو بشر يقف أمام جبروت الطغاة، وفساد الأنظمة، وانحرافات الجاهلية، ويزوِّد البشرية بزخم قوي هائل استمرت على أثره بالتصاعد، وستستمر حتى قيام الساعة ؟
وحتى الإمام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) فانه سوف لا يأتي برسالة جديدة، بل إنما يأتي لتطبيق رسالة جده لان هذه الرسالة كاملة؛ وهو إنما يظهر لتطبيقها، لا بجهوده فحسب، ولا بانتصار الغيب له فقط، وإنما أيضاً بجهود النبي ومن استلهم منه، ذلك لان المسلمين الحقيقيين يستلهمون من حياة الرسول ، وسيرة الأئمة المعصومين الإيمان الحق، ويطبّقون الإسلام وينشرونه، ليظهر بعد ذلك الإمام المهدي مطبقا جميع أحكام الإسلام، ومالئا الأرض قسطاً وعدلاً .
- الاعتماد على الإيمان بالله
فما هو جوهر هذه الشخصية؟
وما الذي دفعها إلى أن تقف أمام كل التيارات المادية، بكل مالها من عنفوان واندفاع وضغوط ؟
بكلمة واحدة نقول: إن الرسول اعتمد على الإيمان بالله، فقد كان عارفاً بخالقه، ومن خلال معرفته هذه وإيمانه الكامل، استطاع أن يقف كالجبل الأشم أمام كل الانحرافات، ويدفع بسفينة البشرية إلى شاطئ النجاة .
وفي تلك اللحظة التي خرج فيها النبي من مكة المكرمة، فانه خرج منها مهاجراً تاركاً أرضه وبلده، واعز بقاع الأرض إلى قلبه، ألا وهو بيت الله الحرام، فالتاريخ يروي لنا انه (ض) عندما خرج من مكة، التفت لفتة إليها، وقد اغرورقت عيناه الكريمتان بالدموع، ولكن جبرائيل سرعان ما أوحى إلى قلبه قائلا : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لَرَآدُّكَ إلى مَعَادٍ) (القصص / 85)، وهنا اطمأنت نفسه، وخرج من مكة مهاجرا تلك الهجرة التي كانت اللبنة الأولى لبناء الأمة الإسلامية في التأريخ .
وفي الحروب وقف مع الرسول (صلى الله عليه وآله) أصحابه الأبطال المخلصون، وفيهم من أمثال علي بن أبي طالب وجعفر، وأبي ذر وغيرهم من الذين كان الواحد منهم يقف أمام الناس جميعاً دون خوف أو وجل، إلى درجة أن علياً قال : "والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، ولو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها .." (1) ومع شجاعة علي الفائقة هذه، فانه كان يقول : " كنا إذا أحمر البأس، اتقينا برسول الله ، فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه " (2).
- نور وهاج
ترى ما الذي جعل قلب الرسول بهذه الدرجة من الشجاعة والصمود، بحيث يلوذ به علي (عليه السلام) وأمثاله من الأبطال ؟
إن الإنسان عندما يدرس حياة النبي بفكره البسيط والمحدود، فانه لا يستطيع أن يستوعب ما أحدثه من تغييرات جوهرية في العالم . لقد كان مبعثه إيذاناً بحدوث أمواج هائلة القوة ومتصاعدة في حياة البشرية، فما هو النور الوهاج الذي أضاء قلبه ليضيء معه العالم برمته؟
انه الإيمان بالله والمعرفة به؛ ففي كل قضية تلجأ البشرية إليه، وهو يلجأ إلى الله عز وجل، وفي كل ليلة كان يقوم ثلاث مرات ليعبد ربه، ويستلهم من عبادته الشيء الكثير من العزم والصمود؛ ففي بداية الليل بعد صلاة العشاء كان يغفو غفوة، وفي بداية الثلث الثاني من الليل يقوم من النوم لينحدر إلى مناسكه وعباداته ويستمر متعبدا إلى الصباح .
إنني هنا أريد أن أوجه أنظار القراء الكرام إلى هذه النقطة بالذات، فلقد نسينا الله سبحانه، وفي طليعة الأشياء التي نسيناها بعد الله تعالى أنفسنا كما قال عز وجل : (نَسُوا الله فَاَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ) (الحشر، 19)، وهذا يعني أننا إذا نسينا الله فإننا سوف ننسى قدراتنا وطاقاتنا وكرامتنا .. فنحن لم نبتل بما ابتلينا به لحد الآن من مآس وويلات، ومن تجبر المستكبرين في الأرض، وضغوط الطواغيت، وفساد المفسدين إلا بعد أن نسينا خالقنا وبارئنا.
- حقيقة منسية
وعلينا الآن أن نعود إلى الله، والى عبادته عبادة حقيقية، والتضرع إليه تضرعاً نابعاً من القلب، فالله عز وجل لا يمكن أن ينخدع - وحاشاه أن ينخدع - بهذه الصلوات الجوفاء، والعبادات الفارغة، والشعائر القشرية . هذه لا يمكن أن تنفع امتنا شيئا لا في الدنيا ولا في الآخرة، والشيء الوحيد الذي ينفعنا هو: الحقيقة واللب؛ فالله تعالى لا يطلب منا كثرة الصلاة والصيام، بل قلباً خاشعاً، وعيناً دامعة، وسلوكاً مستلهماً من إيماننا الحقيقي به .
ولذلك فاني الفت الأنظار إلى هذه الحقيقة المنسية، ونحن نعيش المأساة في كل مكان، فقد تظاهرت الدنيا علينا وكادت المؤامرات تخنقنا، فهناك الآن أكثر من ألف مليون مسلم يعيشون تحت ألوان من العذاب في كل مكان، ومثل هذه الظروف تدعونا إلى أن نعود إلى الله تعالى، وان نصفي قلوبنا، ونطهرها من الأحقاد والضغائن، ليكون ما بيننا وبين الله عامراً، وهو عز وجل بدوره سيصلح ما بيننا وبين الآخرين .
برنامج روحي لتربية النفس
ولنضع في هذا المجال برنامجا روحيا لتربية أنفسنا، فنحن لو حكمنا البلاد - مثلا - وفي قلوبنا أحقاد تجاه بعضنا البعض، فسوف ندمر أنفسنا، فلنُخرج - إذن - هذه الضغائن من قلوبنا، ونقتلع جذورها أولاً، ثم نفكر بعد ذلك في إقامة حكم الله، فان أحداً لا يستطيع أن يطبق هذا الحكم إلا من كان يمثل في سيرته وسلوكه وخلقه رسول الله ، فليس من المعقول أن يستطيع إقامة حكم الله مَنْ استبد به حب الرئاسة، ولذلك فاني أوصي جميع الرساليين في كل مكان بأن يبادروا إلى تزكية أنفسهم، والتوبة إلى الله عز وجل، والإنابة إليه وذلك من خلال تطبيق فقرات المشروع التربوي التالية :
1- الدعاء
إن أهمية الدعاء، ليست أهمية مادية فحسب، كما إنها لا تقتصر على إصلاح النفس البشرية، وتحديد نقاط الضعف فيها، بل إن أهميته تكمن في انه يربط الإنسان بالقدرة الإلهية التي لا تنتهي، فالدعاء يجعل قلوبنا مضاءة بنور الإيمان، فلنتضرع إلى الله في جوف الليل، فإن بيده الأمور وهو الذي يرفع من يشاء، ويضع من يشاء، ويؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، وبيده كل شيء .
إن الدعاء الحقيقي، هو الدعاء الذي يدفعنا إلى العمل في أيامنا، أولم يكن أصحاب رسول الله الذين خرّجهم من مدرسته بفضل تعاليم الوحي، رهبان الليل وفرسان النهار؟ لقد كانت ضراعتهم في الليل هي التي تدفعهم إلى آن يخوضوا غمار الحرب كالأسود في النهار، حتى قال : "ونُصِرْتُ بالرعب من مسيرة شهر .." (1) .
فلنقف لله خاضعين خاشعين بعد صلواتنا، ونحن نرى أن أئمة الهدى وقادة الرسالة وهداة الأمة، كانوا يحثون الناس على الدعاء في أشد الظروف وأحلكها، فعندما تنقطع الوسائل ولا تتبقى للإنسان وسيلة للدفاع عن نفسه من أجل القيام بالنهضة الحقيقية، فحينئذ تبقى وسيلة أخرى إنما هي وسيلة انتماء الإنسان إلى النهضة، فعندما تشتد الظروف، ويتصاعد الإرهاب ينقطع انتماء الإنسان إلى التجمع الرسالي فلا يشعر انه جزء منه، وهنا يلعب الدعاء دوره، ليحافظ على معنويات الإنسان، ويبقيه منتمياً إلى مجتمع الرساليين، وأمة الانطلاق.
ولذلك فإننا نؤكد على الإخوة المجاهدين العاملين في الساحة أن لا ينسوا هذا السلاح الفعال الذي يقول عنه النبي : "الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض" (1) .
والدعاء هنا له جانبان: الجانب الأول أن تدعو الله عز وجل أن ينصرك على عدوك، والجانب الثاني أن تدعوه لكي يخذل عدوك .
وفي يوم القيامة سوف يحاسب الله سبحانه الإنسان على تركه للدعاء الذي يحارب به الطواغيت، والظالمين، ويلعنهم من خلاله، ويطالب بإسقاط دعائم حكمهم، وتقريب آجالهم، فكل إنسان مكلف ومسؤول أمام الله عن الدعاء وراء كل صلاة وفريضة لإسقاط الطاغوت، فربما تكون هناك آهة حزينة تخرج من قلب مظلوم ومفجوع تُستجاب عند الله جلت قدرته، وتقضي على الطاغوت .
صحيح أن هناك في الكون سنناً ومصالح، وان هناك حقاً يحكمه، ولكن من سنن الله استجابة الدعاء، والصلاة التي يأمرنا الخالق بأدائها قائلا: (وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) (البقرة،45) جوهرها الدعاء، وقد روي عن الإمام علي انه كان يدعو في القنوت على أعداء الأمة الإسلامية بأسمائهم، ونحن أيضاً يجب علينا أن ندعو على أعداء الإسلام بأسمائهم، ومن المؤكد أن الله تعالى سوف يستجيب لنا لأنه رحيم بعباده .
2- الصوم
علينا بالصوم، فان الله عز وجل يقول:(وَاسْتَعِينُوْا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) فقدم الصبر الذي هو الصوم على الصلاة، وعلى الرساليين العاملين في سبيل الله أن يمارسوا الصيام كل أسبوع على الأقل، لان الصوم من شأنه أن يزيد من إيمانهم، وصلابتهم، ويجعل نفوسهم شفافة، كما يجعل إرادتهم صلبة وقوية، ويذكرهم دوما بالمأساة التي تعيشها شعوبهم، وهنا أوكد على الرساليين البعيدين عن أوطانهم، والذين من الممكن أن يفقدوا شيئاً فشيئاً انتماءهم إلى شعوبهم الرازحة تحت نير الطغاة، ويفقدوا إحساسهم بمآسي شعوبهم هذه، فمن خلال الصوم، هذه العبادة المهمة، سيتذكرون دوماً الآلام والمحن التي يعيشها إخوتهم هنا وهناك.
3- تصفية القلوب والنوايا:
علينا أن نصفي قلوبنا ونوايانا تجاه إخوتنا المؤمنين، فإذا قَست قلوبنا تجاه بعضنا البعض، وإذا لم نشعر بالمسؤولية، وأبعدنا أنفسنا عن المعركة، فان الله تعالى سوف ينزل غضبه علينا، وعندما تكون نياتنا صافية، وأعمالنا خالصة لوجه الله، فان أعمالنا سوف تؤتي ثمارها، فالعمل يصطبغ بالنية الصالحة.
وهذه هي وصيتي للمؤمنين الرساليين العاملين في الساحة، فعلى كل واحد منا، عندما يذهب لفراشه للنوم ليلاً، أن يتفكر في الأعمال التي قام بها؛ هل كانت لله تعالى أم للشهرة، ولذاته؟ ولنحذر من أن ندخل النار- لا سمح الله - بالأعمال التي هي صالحة في الظاهر، فهناك البعض من الناس سيعذبون بالنار بسبب صلاتهم، وصومهم، وحجهم، وغيرها من العبادات التي أدوها رياءً وسمعة .
4- حسن التعامل :
من الأمور المهمة التي يجب أن نلتزم بها، ونحن نخوض غمار الحياة، أن نحسن تعاملنا مع بعضنا البعض. فالتُهم، والافتراءات، وسوء الظن، والغيبة، كلها أمور من شأنها أن تؤخر انتصار المؤمنين حتى وإن قدمنا التضحيات الجسيمة، وسالت منا الدماء الغزيرة، لان كلمة السوء تؤثر في القلب والنفس، وتعتبر من الآثام الكبيرة كما قال عز وجل: (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) . (الحجرات، 12).
وقد نهانا القرآن الكريم عن أن نقول مالا علم لنا به، وان نتريث قبل إصدار الأحكام، كما أشار إلى ذلك تعالى في قوله: (إن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات، 6)، ففي كثير من الأحيان نسمع إشاعة ضد إخواننا المؤمنين فنبادر إلى تصديقها دون علم وتثبّت، ونتخذ على أثر ذلك مواقف ارتجالية نندم بعدها حيث لا ينفع الندم. إن علينا أن نأخذ بنظر الاعتبار في هذا المجال أن للسان دوره في الحياة، وإننا يجب أن ننزه ألسنتنا عن التهمة، والافتراء، والغيبة، وان يكون هدفنا توحيد الصفوف، ولم الشمل .
5- نشر الوعي القرآني
يجب أن لا يكون همنا أن نحدّث الناس عن التغيير الرسالي دون أن نقوم بدورنا في نشر الوعي الديني والقرآني، فلو لم نستطع إحياء دور القرآن الكريم في مجتمعاتنا، وإعادة الناس إلى تلاوة القرآن، والتدبر في آياته، والاستلهام من نوره، فان العمل الرسالي سوف لا ينمو، ولا ينتصر .
إن الجماهير قد أدركت الآن أن الإسلام حق من خلال ما يجري في الساحة، لقد جربت الشرق والغرب وعرفت ماذا يجرّان عليها من ويلات ومآسي، واكتشفت أن هذه الأفكار المادية خاطئة، وبدأت الآن تتوجه نحو الإسلام، فعلينا أن نستغل هذه الفرصة لتزويدها بغذاء ثقافي لكي نستطيع الاعتماد عليها .
إن تلاوة القرآن ودراسته يجب أن تكونا في طليعة أعمال الرساليين؛ فكل إنسان رسالي يجب أن يقرأ يومياً صفحات من القرآن الكريم يتدبر فيها ليعرف طبيعة عمله، فالإنسان المجاهد عندما يستشهد وهو يتلو القرآن فان درجته ستكون ارفع من سائر الشهداء، فقد جاء في الحديث الصحيح عن الإمام الصادق : "وعليكم بتلاوة القرآن فان درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن اقرأ وارق، فكلما قرأ آية رقا درجة .." (1) أي اقرأ القرآن وارق الدرجات عند الله عز وجل، فالشهيد عندما يكون قارئا للقرآن الكريم فان درجته ستكون مع الصديقين .
6- العمل على تحقيق الوحدة
علينا أن نعلم إنّ تحقيق الوحدة عملية صعبة جداً، فعلى الإنسان أن يبني كيان هذه الوحدة لبنة لبنة من القاعدة، وهذه الوحدة تبدأ من العائلة، ثم الأصدقاء، ورفاق العمل، لتسود المجتمع الصغير ثم الكبير، ولذلك فان على الأمة الإسلامية أن توحد نفسها من الأساس من خلال تشكيل لجان العمل الرسالي في كل مكان، وهذه اللجان يجب أن لا تقتصر في نشاطها على الحدود والإطارات التي ينخرط فيها الشباب فقط، بل يجب أن تشمل الوحدة جميع شرائح الأمة وفئاتها .
وقد جاء عن رسول الله انه عندما كان يبعث مجموعة صغيرة لأداء مهمة معينة، فانه كان يختار لهذه المجموعة قائداً، وعلينا نحن أيضاً أن نوحد أنفسنا، ونستجمع قوانا، ونخرج من ذاتياتنا، ونصلح ما بيننا .
إن هذه المرحلة تقتضي أن نخطو خطوات متدرجة لتحقيق أهدافنا، أما إذا أردنا أن نحقق هذه الأهداف مرة واحدة، وعلى مستوى واسع، فان الفشل سيكون مصير هذه الأهداف .
7- إبداء ردود أفعال مناسبة تجاه الأحداث:
على كل واحد منا أن يبدي رد فعل مناسب تجاه الأحداث؛ فإذا سمع الواحد منا أن أخاً له في الإيمان قد استُشهد في مواجهة الطغيان والعدوان، وان آخر قد اعتُقل، وان مؤامرة قد نفذت ضد إخوان لنا في الدين في هذا البلد الإسلامي أو ذاك، فان علينا أن نتخذ موقفا إزاء هذه الأحداث، كأن نشترك في تظاهرة، أو نكتب كلمةً، أو نلقي خطاباً .. أما إذا مرت تلك الحوادث دون أن نحرك ساكنا فان هذا الموقف يسبب قسوة قلوبنا .
وفي هذا المجال يُروى عن الإمام علي انه تألم كثيراً عندما سمع أن امرأة مسلمة، قد أُخذت منها زينتها غصباً في إحدى الغارات، فقال: " فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوما"، في حين أننا نرى الآن الكثير من المسلمين يقرؤون الأخبار ثم يمرون عليها مرور الكرام !
إن الشعوب الإسلامية لو قامت بإبداء ردود الأفعال المناسبة تجاه الظروف والأحداث العصيبة والمأساوية التي تمر بها، لاستطاعت أن تزيل حكومات الطغاة، وتقاوم الظلم والفساد والانحراف، فالحكام المتجبرون لم يستطيعوا التحكم بنا، والسيطرة على مقدراتنا، وإبعادنا عن ديننا وعقيدتنا، إلا بعد أن خيّم الصمت والسكوت علينا، وأصبحنا لا نبدي أي حراك إزاء ما يجري حولنا، ولا نشارك في الأحداث مشاركة ايجابية فعالة من شأنها أن تحقق لنا الحياة الحرة الكريمة حيث لا ظلم، ولا طغيان .