تعقيباً على السجال الدائر
العلامة العوامي: لا بد لنا من الإيمان بثقافتي التعدُّد والحوار.
شدّد سماحة الشيخ فيصل العوامي على ضرورة التأسيس لثقافتي التعدُّد والحوار في المجتمع نظرياً وفكرياً ونفسياً من أجل الانطلاق إلى حوارٍ مثمر.
وتعقيباً على السجال الدائر هذه الأيام والمتعلِّق بطبيعة التعامل مع الخط السلفي المتطرف أو المعتدل في بلدنا، تحدَّث سماحة الشيخ العوامي في خطبته لهذا الأسبوع عن بعض النقاط المهمة التي ينبغي مراعاتها في هذا الصدد. مفتتحاً خطبته بالآية الكريمة من سورة النحل: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ (125).
وكمقدمة أشار سماحته في البدء إلى أن مجتمعنا يشهد حراكاً ثقافياً وفكرياً وسياسياً و... وأن هذا الحراك يكشف عن طبيعة حيوية هذا المجتمع، وسعيه الواضح للتعبير عن وجوده وحيويته. وهذا في حدّ ذاته لا إشكال فيه، وإنما الإشكال هو أن يعيش المجتمع حالة الجمود والصمت المطبق، بحيث لا يتفاعل مع ما يستجد من قضايا وأحداث أو أفكار أو نظريات أو توجهات أو... تأييداً أو استنكاراً.
واعتبر سماحته هذا الحراك -في أصله- أمراً إيجابياً مبشِّراً بالخير. مضيفاً بأن لهذا الحراك جانبين أحدهما داخلي والآخر خارجي، فالرسالة التي تُقرأ تجاه الداخل هي أن هذا المجتمع الذي يعيش هذا المستوى من الحراك لا يمكن أن يكون تبعيّاً في حركته، بأن يصفِّق لأيٍّ كان، وإنما له رأيٌّ يُعبِّر عنه بكل حريةٍ، كما يعطينا هذا الحراك انطباعا بأن هناك استعداداً نقدياً جيداً من قبل أبناء هذه المنطقة، وينبغي أن نشجِّعهم عليه، وعلى ممارسة دورهم النقدي، مما يبعث برسالة لمن يمارس دور التعمية على المجتمع مفادها لا يمكن أن ينجح في ذلك، لأن هناك رقيباً سوف يكشف دوره ويفضحه، وهذا يساهم أيضاً في جعل حالةٍ من التوازن عند من يمارس أي دورٍ عامٍ في المجتمع لشعوره بوجود الرقيب.
أما الرسالة التي تُوجَّه نحو الخارج، فهي أن هذا الحراك يوحي للطرف الآخر بأن أبناء هذا المجتمع لا ينسون تاريخهم وحقوقهم. وأضاف بأن على الطرف الآخر أن يكون صادقاً في تحوّله هذا نحو الحوار والالتقاء، فلا يخاطبنا بلسان الحوار والتعايش، ثم إذا ما عاد إلى جماهيره خاطبهم بلسانه المعتاد، المبني على الخطاب القديم.
ثم شدَّد سماحته على أن قضية الحوار ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجانب الأخلاقي؛ لذا لا بدَّ أن نتربى على ثقافتي التعدُّد والحوار.
فأما ثقافة التعدد: فأشار سماحته إلى أنه لا يمكن لأي فئةٍ أو توجُّهٍ أن يمثِّل كل الحل، بل إن الضرورة تقتضي وتفترض أن يكون التعدُّد هو الطبيعة والأصل، فحتى على المستوى المرجعي من الجيد أن تتعدّد المرجعيات؛ لأن ذلك يساهم في تطوير المشاريع والمجتمعات وتنميتها، وأكَّد على أن القبول بثقافة التعدُّد ينبغي أن لا يقتصر على جانبه الفكري النظري، بل يجب أن يتعدّى ذلك إلى القبول النفسي أيضاً -وهو الأهم-. فمن حقِّك أن تتحفظ على الرأي الذي تختلف معه، وأن تناقشه بشكلٍ علميٍّ رصين، ولكن ليس من حقِّك اتخاذ التهجُّم ورمي التهم وتشويه السمعة وسيلةً للردِّ، بناءً على تحاليل وشكوك واهية لا تستند إلى دليل.
وأما فيما يخصُّ ثقافة الحوار: فأشار سماحته إلى ضرورة الالتزام بفنون الحوار ومناهجه العلمية بين الأطراف الداخلية أو الخارجية، منتقداً بعض ما يثار من حوارات عقائدية تزرع الفتنة والغلّ في النفوس دون أن تصل إلى أي نتيجةٍ تُذكر؛ لابتعادها عن أسس الحوار، وعبَّر عن هكذا حوارات بـ(حوار المجانين) لأنها تتخذ الصراخ والتهريج وسيلةً وأسلوباً لها. وأكَّداً أيضاً على أن الحوار المبني على الدليل والحجة والبرهان هو الناجح لأنه يوحي للطرف الآخر بقوتك وقوة ما تعتقد ومتانته، بخلاف الحوار التهريجي الغوغائي.