آية الله المدرسي : الأمور سوف تنتهي إلى ما هو صحيح بإستمرار الديمقراطية والإنتخابات في العراق

سماحة آية الله السيد هادي المدرسي دام ظله
سماحة آية الله السيد هادي المدرسي دام ظله

أجرة ممثل الدائرة السياسية في جميعة العمل الاسلامي (أمل) في البحرين، لقاءً مطولاً مع سماحة آية الله السيد هادي المدرسي، نُشر مؤخرا على موقع الجمعية الالكتروني، وتناول عددا من القضايا. وفيما يلي جانب من اللقاء الذي ردّ فيه سماحته على بعض الاسئلة التي تمحورت في جانب منها حول مستقبل العملية السياسية و الاوضاع في العراق، وعن اوضاع مدينة كربلاء المقدسة.

  •  ما هي قراءتكم للإنتخابات التي وصفها البعض بالمنعطف الخطير في مصير العراق و على مستقبله والشرق الأوسط؟

* مبدئياً .. حينما نتحدث عن الخطورة في مفصل من مفاصل حركة شعب من الشعوب أو أمة من الأمم، فلا بد من تحديد تلك الخطورة. أن تستمر عملية الديمقراطية والإنتخابات في العراق معنى ذلك أن الأمر سوف ينتهي إلى ما هو صحيح، ولكن حينما نقول بالخطورة فالخطورة من أن يعود من جديد أزلام النظام السابق ويلغوا العملية الديمقراطية. أما مع وجود الديمقراطية وإستمرارها فلا خوف كبير على مستقبل العراق. حتى ولو نجح أزلام النظام السابق في دخول البرلمان، وحتى لو شكلوا نصف أعضاء البرلمان وهو أمر بعيد جداً. لكن يمكنهم أن يشوشوا على العملية السياسية وأن يختلقوا توترات جديدة نحن في غنى عنها. وإلاّ فمع عدم قدرة أي طرف من الأطراف على إلغاء العملية الديمقراطية فلا أرى خطورة كبيرة في الأمر.

نعم أن يستطيع أزلام النظام السابق والذين إرتكبوا جرائم بحق الناس أن يأتوا إلى البرلمان وأن يصانوا بقوانين المجلس في الوقت الذي لا بد أن يحاكموا فهذا مؤشر خطير. لكن مجرد أن يدخل البعض من غير هؤلاء بطريقة واخرى و بعدد بسيط في البرلمان، ومع إستمرار العملية الديمقراطية فربما يرى البعض ان ذلك لا يشكل خطورة حقيقية ..

  •  وبالنسبة لتأثير الإنتخابات على المحيط الشرق أوسطي والعالم؟

* العراق في الحقيقه يؤثر على محيطه، فخير العراق يعم، وشرالعراق يعم كذلك. فإذا كان الخير حاكماً في العراق فإنه يفيض عن العراق إلى المحيط ومن ثم إلى العالم. وإن كان الشر حاكماً على العراق فإنه يفيض شراً و سوءاً وتوترعلى محيطه.من هنا كان ولايزال الإهتمام الدولي والإقليمي منصب على الإنتخابات العراقية بإعتبار أن ما يؤثر على العراق يؤثر على محيطه والشرق الأوسط وربما العالم كله.

وقلت سابقا أننا في العراق مقبلون على عملية إنتخابات تختلف عن عمليات الإنتخابات السابقة في شدة المنافسة من جهة، ومن التدخل الأقليمي الشديد من جهة أخرى. فمئات ملايين الدولارات كانت في طريقها إلى العراق للتأثير و شراء الأصوات. وشراء الأصوات نكسة في العملية الديمقراطية، لأن المال السياسي يفسد جميع الأطراف .. الذي ينفقه.. والذي يتسلمه و الذي يعطي رأيه بناء عليه.

  •  وضع كربلاء المقدسة من الناحية الخدمية والأمنية والعمرانية لم يتغير كثيرا، ما هي نظرتكم في هذا الشأن؟ علماً بإن الزوار كل عام في إزدياد واضح ؟

* كربلاء المقدسة هي مدينة الحسين عليه السلام و تستقطب 123 مليون زائر سنوياً. وفي مناسبة الأربعين كان قد بلغ عدد زوار كربلاء نحو 14 مليون زائر أغلبهم من داخل العراق وتقريباً 200 جنسية من كل أطراف العالم. وفقط في أيام الخميس والجمعة والسبت يزور مدينة كربلاء مليون ونصف زائر. بالإضافة الى 11 مناسبة كبيرة يأتي إليها الزائرون من مختلف مناطق العراق والعالم. كربلاء ظلمت في العهد السابق بإعتبار أنها إنتفضت على النظام وبقيت صامدة أكثر من أي مدينة أخرى. ولذلك إنتقم منها النظام السابق أولاً بالقصف بمختلف أنواع الأسلحة، وثانياً بإهمالها من حيّز الخدمات، ولا تزال كربلاء للاسف مظلومة في العهد الجديد، بمعنى أن الحكومات المتعاقبة بعد سقوط طاغوت بغداد لم تقدم شيئاً ملموسا يذكر لمدينة الحسين ،بالإضافة لبطء عملية التنمية في العراق عموما. هناك تقصير حقيقي شاهده كل من يزور العراق.

ولعل البعض يبرر ذلك بإن التخريب سهل والتنمية تأخذ وقتاً. ونحن نقبل بهذا الأمر ولكن نقول أن تنجز التنمية يأخذ وقتاً ولكن أن تبدأ به لايحتاج إلى وقت. للاسف لم نجد مشاريع حقيقية كبيرة على مستوى مدينة كربلاء المقدسة.. من هنا تجد أن الزائرين يضطرون لمغادرة كربلاء لمجرد الوصول إليها وزيارة مرقد أبي عبدالله الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام .. لأنه لاوجود لخدمات كافية وحقيقية يمكنهم مع وجودها أن يستمروا أكثر ما يبقون هنا. من هنا فإن زيارة الأربعين لم تعد خاصة بيوم الأربعين بل هي مستمرة لمدة عشرة أيام. يأتي الزائرون لزيارة الأمام الحسين ويعودون لبلادهم ومدنهم وقراهم.

وفي الحقيقة نحن نرى في إهمال مدينة كربلاء نقطة سلبية كبيرة للحكومات المتعاقبة والمسؤولين سواء المحليين على مستوى المحافظة، أو المسؤولين على مستوى الدولة..

  •  في العمل السياسي هنالك تقلبات كثيرة قد تحرف مسار العمل وتبعده عن أهدافه. فما ميزان الثوابت والمتغيرات في العمل السياسي؟

* لا بد أن نأخذ بعين الإعتبار عدة أمور:

أولاً: ما هوالأصلح للشعب لكي يحصل أبناؤه على حقوقهم من جهة، ولكي ينطلقوا إلى آفاق جديدة ويطوروا أنفسهم على المستوى الإنساني والمستوى الإجتماعي والمستوى الإقتصادي وعلى المستوى الحضاري من جهة أخرى.

ثانياً: هل المتغيرات بما فيها العملية الديمقراطية والإنتخابات .. هل هي حقيقية؟ ومن ثم تصب في مصلحة التنمية والتغيير؟ كما هو شأن الديمقراطية في العالم؟ أم أنها مجرد عملية (صوّرية) لا تمس مصالح الناس الحقيقية بشيء.

ثالثاً: ما هي المشاريع التي يحملها الذين يخوضون الإنتخابات؟ هل مجرد أن يقال أن هذه الجهة قد شاركت؟ وأن يكون هنالك أشخاص يحصلون على بعض المغانم داخل المجلس وتحت قبة البرلمان؟ هل هذا يكفي؟ أم أن هناك مشاريع حقيقية عند مختلف الأطراف؟ وفي العالم كله عادةَ الذين يخوضون الإنتخابات يقدمون برنامجاً بديلاً.يعني لا ينتخب الشعب الأمريكي رئيساً جديداً إلا لما يقدمه من مشاريع. فإذا كان أوباما ينتخب في أمريكا، فلأنه قدّم المشروع البديل، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى السياسة الخارجية.

رابعاً: إن الديمقراطية تعني تبادل أدوار ومن ثم أن يأتي أشخاص جدد وإتخاذ القرار وليس فقط لكي يقال أن هناك عملية إنتخابات وديمقراطية. لذلك ارجو أن تفرز الإنتخابات الاخيرة تغييرا حقيقيا ليس في تغيير بعض الوجوه، بل في الاداء الحكومي في تنفيذ المشاريع وتقديم الخدمات، وفي الاداء البرلماني في سن القوانين وممارسة الدور الرقابي...وعادة الملاحظ في دولنا أن الاحزاب و السلطة قد تتراجع في اغلب الاحيان كثيراً عن الوعود والبرامج، بما يخلق حالة من الإحباط الشعبي يسود الشارع على المستوى الإجتماعي والسياسي.. ومانتمناه أن تكون النتيجة فعلاً نقلة نوعية في الإتجاة الصحيح ولمصلحة الشعب.

ولكن لا بد أن نقول إنه لا يجوز عقد آمال كبيرة وواسعة ووردية في العالم الثالث عموما على عمليات الإنتخابات والديمقراطية الناشئة.. ولكن إذا أرادت الأطراف المختلفة بما في ذلك الذين يخوضون الإنتخابات أن يكونوا محل ثقة الناس، فلا بد من تقديم مشاريع، وليس وعوداً. الكل يعرف أن الوعود مؤقتة عادة لكسب صوت شخص، يعني ما يريده المطلقون للوعود هي مجرد عملية تخدير حبة أسبرين لإيقاف وجع الرأس لمدة ساعة وليس أكثر وما دام الشخص يأتي ويرمي بصوته إلى الصندوق ويذهب. فإن المرشحين تنتهي المهمة بالنسبة إليهم. والسبب في ذلك كأن هنالك خللاً في الديمقراطية ذاتها. والخلل هو أن بإستطاعة الشخص أن يوصل المرشح إلى المجلس،ولكن ليس بإستطاعته أن يخرجه من هذا المجلس! فالإنتخابات عند البعض بل الكثيرين هي (زفة العريس) المطلوب من الناس أن يزفوا النائب إلى غرفة العروس (البرلمان )، أما من يتمتع فهو العريس وليس غير ذلك. فانتخابات( زفة عرس) مجرد كرنفال، ينشغل الناس بالحديث عن ذلك والصحافة تحصل على مادةإعلامية ومقابلات وكلام كبير ووعود، وينفع المنتديات والأنترنت والناس الذين لا شغل لهم. وعادةً الكثير من السياسيين إنما يتكلمون كثيراً لأنهم لايفعلون شيئاً. والذي يفعل لا يحتاج للكلام الكثير

  •  في مايسمى بسياسة الأمر الواقع، ومع الإنفتاح وإندفاع معظم التيارات من جهات المجتمع المدني والسياسي للتعاطي مع هذا الواقع السياسي. ما الرؤية التي يجب أن ينطلق فيها للتعاطي مع هذا الواقع؟

* يجب أن نضع ميزاناً لتقييم الأشياء كما أن هنالك ميزاناً لمعرفة وزن الأشياء وكل ميزان يختلف حسب ميزان الشيء الذي تريد أن تزن به،فميزان الذهب يختلف عن ميزان الفحم، ميزان بالاشخاص والأعمال والمشاريع والمتغيرات أيضاً يختلف عن غير ذلك وهذا لا يعني إنه يجب علينا أن نضع مصالح الناس ميزاناً لمعرفة الخير من الشر والصلاح من الفساد. وأن تقييم الناس بحسب قربهم إلى الناس وليس بحسب وعودهم إلى الناس وكلامهم الفارغ.هل هنالك شيء ما تغير لمصلحة الناس؟ وليس لمصلحة قلة منهم؟ وهم الذين ينتخبون أو ُينتخبون.القلة هم الذين يدخلون البرلمان يحصلون على بعض الإمتيازات،من رواتب عالية وأمتيازات وبإستمرار الراتب إلى ما بعد البرلمان إلى انهم يحصلون على بعض السمعة والحصانة وأن كلامهم ينقل للصحافة. وكأن المطلوب أن يصوتوا بما ُيراد منهم لا بمايجب عليهم. وهذا فرق كبير بما يراد وبما يجب! .فإذا كانت السلطات في أي بلد من دول العالم الثالث وتريد إقناع الناس ونيل ثقتهم، ومن ثم فرض نوع من الإستقرار في البلد فلا بد من تقديم تنازلات عن الإمتيازات التي تملكه. وبدون ذلك فكما قلت ما هي إلا مجرد (حبة أسبرين) تنفع لفترة قصيرة من الزمن. ومن ثم يعود الناس إلى واقعهم ويعانون مما يعانون، وهذا يؤدي بهم في النهاية إلى تصرف لا ترضى به السلطات عادة في اي بلد