فئة لاتتقن إلا مهنة الهدم ( 1 -2)
بسم الله الرحمن الرحيم
تتخذ الممارسات الدينية عند طوائف المسلمين منحيات وتجاذبات تريد كل فئة تطبيقها ضمن رؤى ومناهج تراها -من وجهة نظرها - الرؤية السليمة في فهم الدين والمعتقد ، بينما تأتي فرقة أو طائفة تعارض أخرى و ترى أن هذه الممارسات من البدع على الدين ، وعلى الآخرين تركها ، منتهجة لغة الفرض والجبر لأنهم الأعلم في فهم أصول وقيم الدين والفئة الوحيدة الباقية على العقيدة الصحيحة من وجهة نظرهم.
وتعد قضية التوسل وبناء القبور والأضرحة قضية إعلامية دسمة كثر النقاش حولها وأعطيت زخماً إعلامياً مبالغاً فيه وكأنها القضية الأم في حياة المسلمين و تقف حائلاً دون تقدمهم ورقيهم.
حيث ترى شريحة كبرى من الطوائف الإسلامية المختلفة أن مسألة التوسل و البناء على القبور لاتعدو أكثر من مسألة فقهية خلافية في فهم مفردة من مفردات الدين ، بينما ترفع فئة سلفية متشددة لواء المعارضة لها كونها - حسب رأيهم – مسألة تتعلق بالتوحيد الإلهي وتندرج تحت مسمى الأفعال الشركية والبدعية التي لابد أن يوقف ممارسوها عند حدهم .
وما أريد قوله إيقافهم لايتعلق في إثبات جواز أو رفض قضية التوسل وبناء الأضرحة على القبور واتخاذ المساجد حولها ، فهذا بحث متشعب يحاول الكثيرون طرحه عبر مقالات ونقاشات ومناظرات تابعها أغلب المشاهدين في عدد من القنوات الفضائية ، مع ذلك لم تغير الشيء الكثير في اقتناعات المؤيدين أو المعارضين لهذه القضية وبقي كل منهم محتفظاً بفكره واقتناعه .
• إقرار العمل بين ( العبودية لله ، وتقديس الأموات )
عند التطرق لقضية التوسل و بناء القبور والتوسل بأصحابها عند الله لقضاء الحوائج ، تنبثق لدينا قضية جوهرية تكمن في التسليم بمفهوم قاعدة أخذ العمل بناء على نية العامل به ، فالقاعدة العامة تقول : يؤخذ عمل المسلم على الصحة ، والحديث المتفق عليه : ( إنما الأعمال بالنيات ) يؤكد هذا المعنى ، خاصة إذا جاء المسلم بالعقائد الحقة من الشهادة لله بالوحدانية وللنبي محمد صلى الله عليه وآله بالنبوة وجاء بالمفترضات الواجبة من حج وزكاة وصيام التي يتفق عليها جميع المسلمين. أما باقي الأعمال العبادية الأخرى فتُحمل على الصحة والنية ، بينما يصر هؤلاء أن نية ممارسيها تُجير تحت مفهوم الشرك والكفر فكأنهم أطلعوا على نياتهم الشركية !! ، بينما ذلك الصحابي لما قتل رجلاً نطق بالشهادتين فقال له النبي صلى الله عليه وآله مؤنباً : ( هلا شققت عن قلبه ) !!
لذلك ترى هذه الفئة أن قضية التوسل والبناء على القبور من البدع تندرج تحت مفهوم الشرك والغلو إلا أنها ليست من أصول الدين التي بمقتضاها يُخرج الإنسان من ملة الإسلام ، وهي أمور خلافية – كما قلنا-حتى في عهد المسلمين المتأخرين ، لكن شريحة تصر على إيصالها إلى حد الكفر والشرك وهذا حكم ينم عن فهم وأفق ضيق للدين والعقيدة .
هذا من جهة ومن جهة أخرى تعد حرية المعتقد من الأمور الحتمية والمسلمة للإنسان التي أكَّدت عليها الديانات السماوية بما فيها الإسلام ، فالذميّ في بلاد المسلمين يعطى حرية ومجال لتعبده بديانته وممارسة طقوسه مع شرط عدم المساس بالوضع السائد في المجتمع الإسلامي ، لكن يأتي أمثال هؤلاء ليطبقوا مفهومهم الضيق وكأنهم الولاة على المسلمين ، بينما باقي طوائف المسلمين لم تفقه من حقيقة التشريع الإسلامي شيئاً !! .
لكن الحقيقة الواضحة للعيان أن هذه المسألة استغلت لتأخذ بعداً تعصبياً ضمن لون من ألوان التعصب الديني وخلق فتنة طائفية بين المسلمين واتخذت ذريعة لتسقيط طائفة مسلمة وإخراجها من الدين ، ولازالت هذه الفئة المتشددة تصر على أن البناء على القبور والتوسل بها من الأمور العَقَدية التي تدخل المسلم في الشرك بالله ، حتى طالت جميع طوائف المسلمين ، بل أجمع العلماء والفقهاء حتى علماء السلف الصالح أنها مسألة خلافية ، بينما ترفع فئة شعار التكفير والشرك في حق شريحة كبرى من المسلمين وتنعتهم بالفئة المشركة أو المبتدعة، وحاول الكثير حصر وتوجيه المسألة بالطائفة الشيعية التي تعبر عن حبها وتقديرها لشخصيات إسلامية لاسيما النبي محمد وأهل البيت صلى الله عليه وآله باحترام من خلال إضفاء قدسية لموضع القبور والتردد عليها لزيارتها وجواز بناء المساجد حولها بناء على رؤية فقهية يراها علماؤهم وفقهاؤهم .