المحبة في آفاق علي عليه السلام ( 2)

شبكة مزن الثقافية برنامج منقذ البشرية الثقافي

ضمن فعاليات برنامج منقذ البشرية الثقافي لشهر رمضان المبارك لعام 1430هـ والمقام في مسجد الرسول الأعظم " ص " بالدخل المحدود أكمل سماحة الشيخ حسين المصطفى موضوع الليلة السابقة في جزئه الثاني .

ابتدأ سماحة الشيخ النقطة الثالثة بالآية الشريفة ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  وأشار بأنه تحدث في الليلة السابقة عن الحب وعن قيمة الحب في مسيرته مع الله ومع الإنسان ، وانتهى بنا الحديث إلى النوع الأول من أنواع الحب وهو الحب العمودي : حب الخالق لخلقه وحب المخلوق لخالقه ، أما الليلة فحديثنا مع الحب في مسيرته الأفقية :

  • النوع الثاني من أنواع الحب :

• الحب الأفقي :

وأشار إلى أن هذا الحب يعني محبة الإنسان لأخيه الإنسان ، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش الحب والسكينة إلاّ في وسط اجتماعي ، لأن التكامل البشري لا يكون إلا عبر الآخر ومع الآخر ومن خلال الآخر ، ولذلك يجب أن نحب من نتفق معه لنتعاون معه في طاعة الله وطاعة الرسول ، لنكوِّن مجتمعاً صالحاً , ونحب من نختلف معهم لنهديهم إلى الحق ونتحاور معهم .

موضحاً أنّ من الخطأ أن نؤمن بأنّ المحبة تعني الاستحواذ ، فهناك فرق بين المحبة والتملّك ، وليس هناك لون أو جنس للحب بل هو قيمة بشرية عامة .
مبيّناً أن المحبة الإنسانية فيما أمر الله تعالى قيمةٌ متأصلة في الإسلام ، وقائمة على مبدأ الأخوة بين البشر ، لذلك يقول الرسول : "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" .

وأشار سماحة الشيخ المصطفى إلى أن هناك حبّاً خاصّاً لطبقة من الناس وهم الطبقة المستضعفة ، لأنها تحتاج إلى رعاية خاصة منا , لذلك يقول الرسول : " اللهم إني أسألك فعل الخيرات وحب المساكين " ، ويقول الإمام علي : ( إذا عجز عن الضعفاء نيلك فلتسعهم رحمتك ) ، وذلك بالمعاضدة والرحمة , ويقول علي ، " عجبت لمن يرجو رحمة من فوقه ،كيف لا يرحم من هو دونه ) .

  • ولفت سماحته إلى الأمور التالية :

      - إنّ الحب لا يقتصر على الإنسان ، بل يشمل حتى الجماد ، ومثال ذلك : جبل أحد عندما قال الرسول عنه : ( انه جبل يحبنا ونحبه ) ، ولا يقتصر الحب على الأمور الذاتية والحسية والجسمانية ، بل ينتقل إلى الأعمال والأقوال والأفعال ، وقد جاء في الحديث الشريف : ( إن الله جميل يحب الجمال ) .
-  أول خطاب للرسول عندما بنى مسجد قباء : ( أحبّوا ما أحبّ الله , أحبّوا الله من كل قلوبكم , ولا تملّوا كلام الله وذكره , وتحابوا بروح الله بينكم , إن الله يغضب أن ينكث عهده ) .

- إنّ الحب بين الطرفين يحتاج إلى سلوك وإعلان ، كما جاء في الحديث : ( إذا أحبّ أحدكم أخاه فليعلمه بذلك ) , الحب مثله كمثل جميع الأفعال الفاضلة بل هو أرقاها . وأشار إلى أن كلمة الحب لا تظهر بيننا بسهولة بعكس كلمة البغض .

- يجب علينا ممارسة سلوك الحب في كل يوم وممارسته حتى التعود عليه وعلى كلماته , ويجب علينا أن نمشي في طريق المحبين وهو طريق الأنبياء والمرسلين ، وهو نفس الطريق الذي يسلكونه مع الأصدقاء والأعداء على حد سواء ، وذلك لكي يعالجوا ما في الأعداء من مرض .

- يقول الإمام علي في وصيته للإمام الحسن : ( يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك , فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك , واكره له ما تكره لها , ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم , و أحسن كما تحب أن يحسن إليك , واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك , وارض من الناس بما لا ترضاه لهم من نفسك ) .

وقال أيضا : ( ولا تقل لأحد بما لا تحب أن يقال لك ) .

ويقول لأخيه محمد بن الحنفية ( فاخفض لهم جناحك ، وألن لهم جانبك , وابسط لهم وجهك , وآسي بينهم في اللحظة والنظرة , حتى لا يطمع العظماء في حيفك لهم , ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم ، فإن الله تعالى يسألكم معشر عباده عن الصغيرة من أعمالكم  ، و الكبيرة والظاهرة والمستورة فإن يعذب فأنتم أظلم وان يعفو فهو أكرم ) .

-يريد الإمام علي منا أن نعيش المحبة والسكينة والسلام فيما بيننا وفي من حولنا ومع الإنسانية كلها , وترك البغض واللعن والسباب ، وأشار سماحته إلى حديث الإمام علي : ( ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد ) ، في إشارة إلى صعوبة معترك الحياة والى مصاعب بلاءات الدنيا .
 
•  ختاماً : جوهر حب علي

أكّد الشيخ المطصفى في ختام محاضرته أنّ علياً كان يترجم الحب بالعطاء ، فمن يحب عليه أن يعطي , وقيمة المحبة مختصرة في العطاء , وذكر مثالاً من الواقع الأسري وهو شكر الزوج لزوجته , أو الوالد لولده أو العكس ، فالبعض يستنكر كلمة الشكر في حياته ويجعلها صعبة جداً رغم أثرها الايجابي الكبير.

وذكر سماحته أن السبب في ذلك هو عدم الحب ، وبالتالي عدم العطاء , وذكر أيضاً أنّ بعضهم يعطي لا لأجل الحب بل للمبادلة والمقايضة فقط , والنتيجة أن الحياة ستبدو سخيفة ، لأن العطاء أصبح نتيجة للمبادلة والمقايضة وليس لأجل الحب والعرفان والإيثار.

  • ملفتاً إلى أن هناك أمرين مطلوبين للوصول إلى العطاء الحقيقي :

1- النضج والرشد : أن نكون ناضجين وراشدين ، وأن نتعمق في الإيمان بالله وإلى الاستجابة له .

2- فلسفة العطاء : يجب علينا أن نتعلم فلسفة العطاء كنتيجة للحب , فالمعذرة عطاء , وقول الحق عطاء , والشفقة عطاء , واحترام الزوج لزوجته عطاء .

منوهاً إلى ثمرة العطاء وارتباطه بالقوة والشجاعة ، وأن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف .