المرجع الشيرازي دام ظله : شهر رمضان فرصة مناسبة لبناء الذات

شبكة مزن الثقافية

إن شهر رمضان المبارك هو شهر بناء الذات وتغيير النفس، وهذا الأمر مطلوب من الجميع، يستوي في ذلك أهل العلم وغيرهم، ومهما يبلغ المرء درجة في هذا الطريق فثمة مجال للرقيّ أيضاً.

 
يقول النبي : فإن الشقيّ من حُرم غفران الله في هذا الشهر العظيم. وهذا معناه لو أن أحداً أهمل بناء نفسه في هذا الشهر المبارك وقصّر حتى مرّ عليه ولم ينل تلك المغفرة الإلهية التي هي أوسع وأسرع وأعظم فيه منها في سائر الشهور، فإنه هو الشقي حقاً. وهذا هو المستفاد من الروايات، لأن بناء الذات واجب عيني في حد أداء الواجبات وترك المحرّمات. فعلى الإنسان أن يحاول في هذا الشهر المبارك أن يعمل حتى يبلغ مرحلة يعتقد فيها أنه تغيّر فعلاً وأنه أصبح أحسن وأفضل من السابق.

لاشك أن كل إنسان يتمنى لنفسه التغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة ليست بالأماني، فبالأماني وحدها لا يتحقق التغيير، بل هو بحاجة إلى عزم وتصميم ومتابعة ومثابرة وجدّ واجتهاد. فمن لم يقصّر في المقدمات يوفَّق في النتائج بلا شك؛ لأن هذا هو الهدف الأصلي لخلق الإنسان، وهو صريح القرآن الكريم؛

 قال تعالى: ﴿ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم(هود: 118-119) أي ليرحمهم .

  فهل يعقل أن يضع الإنسان نفسه موضع الرحمة بأن ينبري لطاعة الله والتقرب إليه، ثم لا يرحمه الله تعالى؟! فهذا محال في منطق الحكمة والعقل، ولا إمكان له، فضلاً عن وقوعه - وحاشا لله ذلك - ولكن على الإنسان أن يصدق مع نفسه ويسعى في هذا المجال ليتحقق له ما يصبو إليه؛ قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه: من طلب شيئاً ناله أو بعضه(نهج البلاغة: 544 رقم 386 الكلمات القصار).

 إن الصلوات والأدعية والزيارات والأعمال الواردة في شهر رمضان المبارك بنفسها معدّات لتحقّق بناء الذات، بيد أن المرء قد لا يسعه الوقت للقيام بها كلها، بسبب تزاحمها مع مشاغل أخرى قد تكون مطلوبة هي الأخرى كالتبليغ مثلاً. إذن، فليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنّها مطلوبة جداً ولها تأثير كبير على الإنسان، ففي كتب الروايات كالكافي والبحار وغيرهما باب مستقلّ في محاسبة النفس، وهناك روايات معتبرة وصحيحة سنداً عن الأئمة المعصومين سلام الله عليهم مضمونها أنه ليس منا من لم يحاسب نفسه كل  يوم فإن عمل خيراً استزاد وإن عمل شراً استغفر.

  إذن، فليخصص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرّف مع زوجته وأطفاله وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار: ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ ليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته.