المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي(دام ظله)

دور العلماء والخطباء هو النزول الى الساحة وتوجيه الناس إلى الإصلاح

شبكة مزن الثقافية
الإمام المدرسي دامت بركاته
الإمام المدرسي دامت بركاته

اعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ* وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ* أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ* فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ* لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

 آمنا بالله..

صدق الله العلي العظيم


هناك سؤال يدور في اذهان الناس وتارة يكون مسموعاً: لماذا هذا الاختلاف الواسع والسائد؟ ولماذا الصراعات التي قد تكون دامية؟ ثم لماذا التنافس الذي قد يكون غير شريف؟ بل ما هي حكمة الاختلاف؟ أوليس ربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه المجيد حينما يبيّن فلسفة الوجود وفلسفة الخلق: "وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ"، وأيضاً جاء في الآية الكريمة "وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ.."، بمعنى ان هناك فلسفة وحكمة من وراء هذا الاختلاف، فإذا عرفنا هذه الحكمة استطعنا ايجاد حلولٍ ناجحة وصحيحة لتلك الاختلافات بل استطعنا ان نحوّل الخلاف والاختلاف الى قوة دفع في الامة ووسيلة لنموها وتكاملها..

ولنبدأ من جسم الانسان، فجميع اعضاء بدنه مختلفة، فالعين لا تشبه الأذن واليد تختلف عن الرجل وهكذا.. وهذا دون ريب يُعد خيراً ونعمة للإنسان، فكل عضو يقوم بدور يتكامل مع سائر الاعضاء، فمثلاً لا حصراً، اليد لها اصابع غير متساوية ولو كانت كذلك لما تمكن الانسان من التقاط إبرة صغيرة من الارض، بينما اختلافها تمكنه من الامساك بالقلم وتدوين العلم والمعرفة ومختلف الافكار التي من شأنها بناء الانسان والمجتمع والحضارة.

إن سنة الاختلاف الموجودة في جسم الفرد هي نفسها موجودة في المجتمع، لذا فان المجتمع والناس كجسد واحد، واعضاءه كاعضاء جسم الانسان حيث كل عضو في الجسم يقوم بدور يكمله دور سائر الاعضاء، كذلك الحال في المجتمع حيث لكل فرد دور يكمله فرد آخر.

إذن مصدر هذه الحكمة هو الله تبارك وتعالى، فبهذا الاختلاف يضمن لنا بقاء الحياة وتطورها، فلو اصبح كل الناس أطباء او مهندسين او فلاحين او علماء او أي اختصاص آخر لتفجر المجتمع وانهار، لانه يريد تلبية حاجات مختلفة، من جانب آخر جعل الله في النفوس رغبات مختلفة، فكل انسان له رغبة وتوجه نحو شيء ما، ومنها يتكامل الناس بعضهم من بعض وصولاً الى الاهداف المرجوّة.

كيف نستفيد من الاختلاف ؟

هنا بعد ان عرفنا ان هدف الاختلاف وحكمته، وهي التكامل وحسب تعبير القرآن الكريم "لتعارفوا" أو "تعاونوا"، علينا هذه المرة البحث عن طريقة تمكننا من تحويل هذا الخلاف والاختلاف والتنافس والاستباق الى شيء مفيد للمجتمع، اما اذا لم نعرف هذه الحكمة وأبدينا الضجر والملل من الاختلاف وعجزنا عن توظيفه بالشكل الصحيح سيتحول الى لعنة ونقمة بدلاً من ان يكون رحمة ونعمة..

من هنا قال ربنا سبحانه وتعالى في الآية الكريمة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، وفي آية اخرى يقول: "وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"، وفي آية اخرى يقول تعالى: "فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ"، وايضاً" وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ.."، إذن المسابقة والمسارعة والتنافس.. كل ذلك يُعد من اهداف الاختلاف في الحياة.

في هذا السياق نستضيء بنور القرآن الكريم وبالذات سورة الشورى والتي تسمى في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، سورة (حاء ميم عين سين قاف)، وهي الكلمات المقطعة الاولى من هذه السورة الكريمة، وفي بعض التفاسير سُميت بسورة (المودّة)، وحينما نتدبر في آيات هذه السورة نجد ان الله تبارك وتعالى يبين لنا حقيقة هامة في الآية السابقة، وهي ان الاختلاف لم يكن مصدره السماء وانما الارض، فجاء في الآية المباركة "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ"، اي ان الله تعالى خلق القرآن كتاباً بليغاً واضحاً قبل ان يخلق الانسان، ثم انزل الرسُل و وضع الميزان وانزل علينا القرآن الكريم قبل ان يكون هناك اي اختلاف في الارض، فالاختلاف هو مشكلة الناس انفسهم، والله تعالى ليس مصدر المشكلة والاختلاف ولا كتابه المجيد، وانما هم الناس كما تشير الآية الكريمة بان يوم القيامة سيشهد حضور الصالح والطالح، فريق في الجنة وآخر في السعير، ومن هذه النقطة يبدأ الاختلاف عندما يسلك بعض الناس طريق الجنة فيما يُساق الآخرون في طريق النار، وفي سياق الآية القرآنية المباركة يشير ربنا سبحانه وتعالى الى امكانية توحيد الناس في مسلك واحد "وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً"، اي ان يجعل الجميع من اهل الجنة او ان يجعلهم من اهل النار، لكن يبدو انه تبارك وتعالى يريد ان تجري الامور بأسبابها كما هي احدى سنن الحياة، فبين في سياق الآيات السبب الذي يحدو بالانسان لسلوك الطريق الخاطئ والمنحرف "أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء".. إذن فالسبب هو الشرك بالله تعالى، اي ان الدين هو عامل الوحدة والشرك عامل التفرقة، ولو اجتمع الناس على التوحيد لوحدهم الدين لان الدين توحيد العقيدة وتوحيد الكلمة، وبما ان الدين واحد فاذا اجتمع الناس على العقيدة سيتحولون الى أمة واحدة كما يقول الله تعالى: "إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ".

وعلى ذلك فاذا اردنا علاجاً لخلافاتنا علينا الرجوع الى حكم الله جل وعلا والموجود في ولايته المتمثلة في كتاب الله المجيد، وفي القرآن الكريم تأصيل لوحدة الناس، فهم كالشجرة الواحدة، أصلها واحد ثم تتفرع الى عشرات الفروع "فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ".. في الآية اللاحقة يؤكد سبحانه وتعالى حقيقة التعددية والاختلاف بين الناس بما يُسمى بالطبقية، لكن ليس بالمعنى السائد في الغرب حيث التفاوت الفاحش والكبير، وانما الطبقية المتقاربة بين ابناء المجتمع، اي ان الثراء يكون على درجات، لا ان يكون هناك ثري جداً والى جانبه فقيرٌ معدمٌ، وبهذا الشكل يتحرك المجتمع بحيوية، حيث يدفع الناس بعضهم البعض نحو الامام وتتحرك بذلك عجلة الاقتصاد، لذلك تقول الآية "لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ".

والى جانب التعددية والاختلاف التي يقرها القرآن الكريم للناس فانه يؤكد حقيقة رديفة لها وهي وحدة الدين لا تنوعه، ولذلك فهو ليس سبباً للأختلاف بين الناس، ثم ان الله تعالى لم ينزل أدياناً مختلفة وإنما شرع شريعة واحدة بدأت من أبينا آدم عليه السلام وامتدت حتى الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وهنا يقول ربنا تعالى: "شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ".. فمع ان المسافة بعيدة جداً بين نبي الله نوح وبين نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله)، لكن الوصية واحدة من الله سبحانه وتعالى، وقد مرت بأنبياء هم اولو العزم، ابراهيم وموسى وعيسى.. فامامنا دعوة صريحة لتوحيد الدين وعدم التفرق والتعدد فيه، ولا نكون كل حزب بما لديه فرح، ثم يحذرنا القرآن من احد عوامل التفرق والتشرذم وهي وسوسة المشركين الذين لا يتحملون هذه الوحدة "كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ"، فهم لا يبرحون يبثون الافكار الشركية في الامة بهدف تمزيقها.

*الديمقراطية وسيلة لا هدف *

إن البصائر التي لدينا من سورة الشورى تمكننا من تطبيق حقائق القرآن الكريم على واقعنا المعاش، ففي العراق ومنذ سقوط الطاغية ـ الصنم ـ سادت فكرة الديمقراطية، وبالرغم من ان أصل الفكرة والمصطلح جاء من الغرب، والكلمة ليست عربية وانما يونانية، إلا انها شائعة ونحن نستفيد منها اليوم، هذه الديمقراطية ليست هدفاً ولا قوانين وانما وسيلة الى هدف أعظم وهو إقامة العدل، فاذا لم يتحقق العدل في المجتمع في ظل هذه الديمقراطية فانها لن تكون ذات فائدة كما انها لن تكون مفيدة اذا رفعت رجالاً ووضعت آخرين، أو تُمحق رجالاً وتُربي آخرين.. والله تعالى يقول: "فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ"، فماذا يعني العدل؟

إنها بكل بساطة تعني ان يصل كل ذي حقٍ الى حقه، لا ان يمتلك شخصٌ الملايين فيما لا يتمكن شخص آخر من سد حاجته من الطعام او السكن المناسب، وهنا تحديداً تكمن مطالبنا من الديمقراطية لان هدفنا هو حقوق الانسان وان يعيش الناس محترمين في حياتهم، لذا فإن الديمقراطية ليست قوانين ولوائح تكتب وانما روح لتلك القوانين المتمثلة بتطبيق العدالة وايصال الناس الى اهدافهم، في بعض دول العالم تسود الديمقراطية لكن الناس هناك مغلوبون على امرهم ولا احد يحقق اهدافهم، لان ثمة لاعبين أساسين خلف الستار هم الذين يسيرون الناس الى الوجهة التي يريدونها، وعليه فان الديمقراطية لن تكون نافعة ومفيدة اذا لم تتمكن من ادارة انتخابات نزيهة وشريفة وعادلة، وارجو من الله ألا تحصل في العراق الفجوة بين الحاكم والمحكوم ولا ان يقول الحاكم شيئاً والناس يطيعون وحسب، وانما تكون ثمة عملية تبادل للخبرة والمشورة "وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ..".

وهنا اوصي الاخوة في التيارات والاحزاب السياسية والمسؤولين في اجهزة الدولة بانه اذا اردتم الديمقراطية فعلاً ومعها الحرية والعدالة، تعالوا واخلعوا عنكم الثياب الضيقة التي هي ليست ثيابكم، وتصالحوا قبل خوض الانتخابات، ولتكن هذه المصالحة من الاعماق وليس من السطح والظاهر، والى جانب ذلك العمل بجد على إصلاح ذات البين، والتخلّي عن منطق القوة والسلاح، ومن دون ذلك سنبقى في الحلقة المفرغة حيث العنف الدموي يكون سيد الموقف، ثم ان صناديق الاقتراع وُضعت اساساً حتى لا يكون هناك اختلاف ويكون الاحتكام الى آراء الشعب وعلى اساسه يتحقق التداول السلمي للسلطة حيث لا احتكار للسلطة ابداً، وقد يقول البعض اننا نعاني استحقاقات الحقبة الماضية وترسباتها التي ولدت ظروفاً صعبة مثل غياب الثقافة والثغرات في القوانين، لكن كل هذا يمكن إزالته وردمه بالتوكل على الله ومن ثم بناء الديمقراطية العادلة الهادفة الى اقامة شرع الله والعدل في اوساط هذه الامة.

كل هذا لن يتم إلا بمشروع يشارك فيه الجميع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالوضع الراهن بحاجة الى كل عاقل وذي بصيرة وكل انسان من موقعه لان يدفع المجتمع باتجاه التآلف والتحابب والتوادّ..

ايها الاخوة.. ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واصلاح ذات البين رحمة من الله علينا، ولقد عاش المسلمون اربعة عشر قرناً آمنين سعداء في ظل تطبيق هذه الفريضة، لان المجتمع كان بأجمعه مندفعاً نحو الطريق الصحيح، والبداية في هذا المشروع تبدأ من كلمة.. هذه الكلمة اذا كانت طيبة فان دورها يكون عظيماً كما قرّب الله لنا الفكرة في سورة ابراهيم "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا..."، إذن فالكلمة الطيبة هي كلمة الاصلاح، والمجتمع السعيد هو الذي يقتل كلمة الفاحشة قبل شيوعها، وهذه العملية تبدأ من الفرد داخل المجتمع، فاذا سمع كلاماً على جماعة بالسوء طالب المتحدث بالدليل وإلا عدّ الكلام كذباً وزوراً في الحال، والكلام دون دليل هو إشاعة للفاحشة وهي من الصفات المذمومة من الله تعالى، مثالاً على ذلك.. لا احد يقبل وهو جالس في قاعة كبيرة ونظيفة بان يقوم احد امامه باشعال اطار سيارة وسط القاعة! لان ذلك يسبب تلوث الجو بالدخان الاسود.. اذن على الجميع تجنب الشائعات وعدم تبنيها ونشرها وتحويلها الى ما يشبه كرة الثلج تكبر مع دورانها، واذا عد الاسلام الغيبة اشد حرمة من الزنى فلأنها تمزق المجتمع وليس فقط الاسرة وامامنا كمٌ هائل من احاديث اهل البيت (عليهم السلام) حول هذا الموضوع الهام، اما في غير هذه الحالة، اي ان يمضي المجتمع في طريقه الخاطئ فان المآل سيكون عودة الديكتاتورية والظلم. لان التمزق والتشرذم هما الارضية والقاعدة للديكتاتوية، ومن دونهما لن تسود في اي مجتمع..

من هنا ادعو اخواني الخطباء والعلماء لقراءة القرآن الكريم وتطبيقه على الواقع، وتجنب الحديث السلبي، ففي المجتمع ايجابيات كثيرة، قد يكون هناك اشخاص غير طيبين في دوائر الدولة، لكن في نفس الوقت هناك اشخاص آخرون يسهرون الليالي في الجهزة الامنية لتوفير الامن والاستقرار للناس، وما موجود حالياً هو من نعم الله علينا ولنحذر الكفر بهذه النعمة الالهية، والله تعالى يعلمنا كيف نشكر لنستزيد حيث يقول في سورة ابراهيم "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"، فاذا كان هناك موظف يقوم بواجبه بالشكل الصحيح لا بد ان نشكره بل نكافئه بهدية، واذا حاول موظف آخر ممارسة الفساد الاداري يمكن تحذيره وتنبيهه، فان لم يرتدع فأنبوه، فان لم يرتدع طهروا الدائرة منه، اي تكون المعالجة على مراحل..

وعليه نحن بحاجة الى روح القرآن لتحكمنا، فهي تعلمنا الالفة والمحبة والعدل، وعلينا ان نتكاتف ونتعاون لتجسيد هذه الروح، اذا اردنا فعلاً الديمقراطية والحرية والدين، وقد اعلنت صراحة وغير مرة أؤكد هنا ايضاً أن مشاكل العراق لن تحل بالسلاح وانما بالاصلاح، وهو دور العلماء والخطباء والكتاب عندما ينزلون الى الساحة ويوجهون الناس الى الطريق الصحيح.

نسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ ان يوفقنا ويسدد خطانا ويجمع كلمتنا ويؤلف بين قلوبنا ويقربنا الى اهدافنا المشروعة ويدفع عنا كيد الكائدين، ومكر الماكرين، وان يشغل الظالمين بالظالمين، ويجعلنا بينهم سالمين بحق محمد واهل بيته الطيبين الطاهرين.