التاريخ السياسي وظلم العراق
لا يختلف اثنان بأن العراق من بلاد الحضارات القديمة فهي بلاد اختراع العجلة والكتابة التصويرية والخط المسماري وكما ظهر فيها أول نظام ري وكل هذا كان في القرن الرابع قبل الميلاد.
ومما يدلل على قدم تاريخها وعراقته (أن الحفريات كشفت عن مدينة ( اريدو) السومرية في جنوب العراق واعتبرت أولى المدن الخمسة الموجودة قبل الطوفان)( 1).
ومنذ القرن الرابع قبل الميلاد تعاقبت أقوام وحضارات على العراق ومن ذلك ، حضارة السومريين ( 4000 ق. م) والآكديين ( 2370 ق.م) والبابليين ( 1900 ق.م) والآشوريين وغيرهم.
وبعد انهيار الدولة الكلدانية عام ( 539 ق.م) احتل الفرس العراق في ذلك العام وظلوا بها حتى ( 637 ق.م) حين عبرت جيوش المسلمين نهر دجلة والفرات فدخلوها منتصرين وكان من أبرز نتائج هذا الفتح أو الانتصار أن أصبح العراق جزءا من الدولة الإسلامية.
(إلى أن أنشئت بغداد عام 145هـ وأصبحت العراق مركز الدولة العباسية)( 2).
في قضون ذلك وما بعده ظهرت شخصيات حكمت العراق اتسم تاريخها بالمعاناة من شدة اضطراب العراق والبطش والقهر والقوة في إدارتهم للبلاد وشعبها ، فكان مثلا زياد بن أبيه ، والحجاج، وأبو جعفر المنصور ، وهارون الرشيد ، والمأمون ، ثم ينتقل البطش والقهر من الأشخاص إلى المحتلين والغزات كالغزو المغولي (656هـ).
ومّر العراق سريعا بالحكم الصفوي ثم الدولة العثمانية وأخيرا تخيم الوصاية البريطانية على العراق عام1915- 1916م ، ما أدخل العراق بطبيعة الحال في تدهور سياسي واجتماعي واقتصادي ، وبهذا افتتح أمام العراقيين القيام بالثورة على البريطانيين وتمت بالفعل وانتصروا فيها وأسسوا بهذا الحكومة الملكية التي استمرت سبعا وثلاثين سنة أتت بعدها الانقلابات العسكرية المستمرة والتي في نهاية المطاف جعلت حزب البعث يتربع على سدت الحكم في عام 1968م ، بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين التكريتي .
(وأستمر البكر في الحكم حتى عام 1979م حيث أطاح به صدام حسين في انقلاب أبيض وأجبره على الاستقالة )(3) ، وهناك رواية أخرى تقول (أن أول عمل قام به صدام هو اغتيال البكر بتزريقه إبرة انسلين للسكر)(4). .
وبهذا بدأ حكم صدام حسين للعراق وبهذا بدأت المعاناة الكبرى في تاريخ العراق الحديث السياسي والاجتماعي والاقتصادي وإيما شئت فقل لأن صدام لم يدع شيئا سليما لا لأرض العراق ولا لشعبها ، ولو أخذا في عد فضائع صدام وجرائمه فلن ننتهِ ولن تسع هذه الوريقات لذلك ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
فمنذ بداية حكمه بدأت الويلات تتلاحق على العراق وشعبه وسنذكر بعض منها لأننا كما قلنا لا نستطيع حصر جرائمه، فعلى سبيل المثال الحرب ضد الجمهورية الإسلامية في إيران وكذلك تسفير العلماء الإيرانيين وطردهم من العراق ، واغتيال العدد الكبير من العلماء لاسيما من سادات أسرة الحكيم فكما ينقل أنه أعدم أربعين أسرة منهم ، وأيضا اغتيال السيد محمد باقر الصدر وأخته السيدة آمنة المعروفة ببنت الهدى ، والاعتداء على أهالي ( حلبجة) بالسلاح الكيماوي المحرم دوليا، ومن جرائمه التسبب في الانتفاضة الشعبانية وقمعها بقوة السلاح ، وناهيك عن هذا كله احتلاله لدولة الكويت والذي تسبب أي هذا الاحتلال في (مقتل ما لا يقل عن مئة ألف جندي عراقي ، هذا خلاف تهالك الوضع الاقتصادي العراقي بعد هذه الحرب)(5).
وبعد هذا وذاك نقف عند الاحتلال الأمريكي للعراق ويتقدم بنا الزمن اثني عشر عاما بعد أن توقفت حرب الخليج الثانية لنسأل من المتسبب في هذا الاحتلال وما أسباب ذلك؟
لعل إجابة الشق الأول من السؤال واضحة المعالم حيث أن المتسبب في الاحتلال الأمريكي معلوم و معروف وهو لا يعدو اثنان ولا أظن أن لهما ثالث هما صدام حسين نفسه والأمريكان ومن لّف لفهم ومشى في ركابهم.
فمن جهة صدام يتضح ذلك جليا في تجهيزه لجيش ضخم في العدة والعتاد لقتال إسرائيل كما زعم وما هذا إلا خطة حبكة بينه وبين الأمريكان ليدخلوا العراق ويستحلونها، وبعد هذا يأتي من جديد ليمهد لهم الطريق لدخول بغداد بكل سهولة وإلا كيف يصدّق عاقل أن تسقط بغداد العاصمة في أيدي الأمريكان قي قضون ساعتين بينما تقاوم الناصرية وأم قصر لأكثر من أسبوعين متواصلين.
وعلى المستوى العسكري ( تأتي الأوامر من صدام وصعلوكه قصي للجيش العراقي قبل سقوط بغداد بأن لا يتمترسوا في مكان واحد بل يتنقلون من مكان إلى آخر مما يجعلهم لقمة سائقة للجيش الأمريكي حتى فقد الجيش العراقي أربع وعشرون دبابة في لحظة واحدة ومع ذلك يصر قصي على التحرك بالقوات ليجعلها هدفا مكشوفا للقوات الأمريكية)( 6).
وهذا ما ينبئ عن وجود خيانات ضد العراق وشعبه وتآمر من وراء الكواليس تحبك وتدار مع الأمريكان لسيطرة على خيرات هذا البلد
والسؤال هنا لماذا أختار الأمريكان هذا البلد بالذات للسيطرة عليه وعلى خيراته بحجج واهية وعمليات مدبّرة من الطرفين أعني صدام والأمريكان؟
هل لأن هذا البلد بلد بترولي مثلا، وأن المهمة المدبرة همّها الأول اقتصادي، ولن نجيب هنا بل نفرع بتساؤل آخر وهو لماذا لم يكن بلد بترولي آخر فإن هناك الكثير من البلدان البترولية حتى في المنطقة نفسها ؟!
ولنفرض تساؤل آخر ونقول، هل لأن معظم سكان العراق من الشيعة ؟!، فلا يريدون أن تقوم دولة شيعية أخرى في المنطقة بعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية!!
وإن كان كذلك فلماذا لا يريدون ؟ هل لأنها ستطبق الشريعة الإسلامية ؟ وإذا كان كذلك فما الضير في ذك؟ ففي ماذا يضرهم تطبيق الإسلام وشريعته؟
أ فمن أجل هذا اخترعوا قضية الحادي عشر من سبتمبر وجندوا الجماعات الإرهابية لتسيء للإسلام والمسلمين وليصوروا للعالم بأن المسلمين وحوش ومن أجل هذا اخترعوا مسألة الأسلحة الكيماوية وأسلحة الدمار الشامل لتكون ذريعة لدخول العراق واحتلالها ، وما ذا بعد احتلال العراق ألم يحققوا أهدافهم بعد ، فإن كانت أهداف اقتصادية فقد نهبوا من العراق ما فيه الكفاية فبعد أن كانت العراق من أغنى دول الشرق الأوسط أصبحت اليوم تعد من الدول الفقيرة على مستوى العالم ، فأين هي أموال العراق وخيراتها ؟
وأن كانت الأهداف طائفية والتفريق بين المسلمين وأضعافهم ولاسيما في العراق وهذا مما لاشك فيه من أهدافهم الدنيئة ، فأرجو أن لا ينالوا مبتغاهم ولن ينالوه بحول الله تعالى لأننا عهدنا الشعب العراقي شعب واعٍ يقظ لا تنطلِ عليه أفعال المحتل وحيله في التفريق فيما بين أهله والدليل على ذلك صلاة الجماعة في بعض أيام الجمع بين الطائفتين المسلمتين الأبرز واتحادها ووقوفها في وجه المحتلين.
وتبقى نقطة أخيرة من تداعيات هذا الاحتلال المدّبر السافر ضد العراق وشعبه وهي محاولة إزهاق أكبر عدد ممكن من أرواح هذا الشعب الأبي وقد تمكن هؤلاء المجرمين بالفعل من هذه النقطة ، فلو تكلمنا بلغة الأرقام فإن هناك (ما يقارب ستمئة وخمس وخمسون ألف من الشهداء والضحايا لهذه الحرب حتى أكتوبر من عام 2006م )( 7).
وطبعا لم تقف المسألة إلى هذا الحد فحسب بل أخذت هذه الأرقام في التنامي والارتفاع حتى وصلت (على مشارف عام 2009م، إلى مليون شهيد ، وتسببت في تشريد أربعة ملايين ونصف المليون ورمّلت مليوني ونصف المليون من النساء ويتّمت خمسة ملايين من أطفال العراق)(8).
وما خفي كان أعظم.
فبالنتيجة أن المتسبب في كل ما ذكر هم العنصرين المذكورين فكانت هذه النتائج السلبية على الشعب العراقي وأرضه ، ونتساءل في نهاية المطاف هل هذه هي النهاية وهل هذه هي الخاتمة كل يوم دمار كل يوم تفجير هنا وهناك كل يوم إرهاب وهل ستظل أمريكا باقية في العراق ، وإلى متى سوف تظل تعبث بأرواح الأبرياء وبثروات هذا البلد أن كانت أمريكا قد أبقت له ثروات وإن كان قد بقي فهي ستعمل على امتصاصها قبل الخروج منه.
وأخيرا ندعوا بدعوة كل عراقي وكل عربي وكل مسلم وكل منصف في العالم أن يخلص عراقنا من براثن الاحتلال وأن يخرج ويخلص العراق من كل العاملين على إبقائه ، وأن لا ينالوا من مبتغاهم المطلب وإن يريهم سوء المنقلب أنه لما يشاء قدير.