الحُسين ... بُعد إنساني
حين تقرر الدخول في ساحة المعرفة عن الحسين فأنت تقرر إن تتناول نفسك بعمق لتعرف المزيد عن هذه الشخصية العظيمة بكل ما أحدثته خطواتها ومواقفها البطولية من إيقاع مؤثر في أسماع التاريخ ، وأنت حين تريد إن تقترب منها فأنت تسمح لنفسك بالتوقف أمام بعدها الإنساني الكبير الذي حفل بالكثير من النبض الإنساني العالي .
وهذا يعني انك ترغب باكتساب قدرة هائلة على امتصاص بعض الأمور السلبية التي تلتصق بك، فتعطل تواصلك زمناً أو جزءاً منه مع بعض القضايا الحقوقية والأخلاقية الكائنة حولك ، في زمن علت فيه كثرة الشعارات الهشة وازدادت فيه اللافتات الرنانة فأصبحت تعطي فكرة واضحة عن ضعف الفكرة في يد المنادين بها وضحالة مستواهم الفكري والعقائدي، وللأسف بعضهم يبدو شبه فارغ من المحتوى حين تقترب من برنامج حياته العملي إلا ما رحم ربك .
وللحقيقة لم يكن الحسين مجرد انتماء منشأي بقدر ما هو أيضاً يحمل طابع ثقافي ومعتقد فكري زاخر بالعطاء ، خاصة حين تتعرف إليه عن قرب أكثر.
ستجده إنسان حمل ضمير الإنسانية على عاتقه وسار بها عبر ممر ضيق ليعطيه اتساع أكبر وأكثر شمولية مما كان عليه، فهو المعلم والمربي الذي كان يخط التجربة الحية بروح عملية متمثلا إياها بنفسه وأهله وماله. والنفس والمال والأهل بما هم متعة و زينة للحياة الدنيا فهم كنوز الإنسان ومكتسباته وحصيلة ثروته في الحياة، وهو كذلك قائد محنك يعرف كيف يخط أرضية معركته بحنكة ودراية لكنه لا يغدر، وستراه رجل من رجال الله يحمل امتداد لرسالة السماء يطهر بها الأرض من نجاسة تعلقت بها وكادت غيومها تحجب شمس الحق عن الرؤية.
ولكي تفيد منه أكثر سيكون عليك الاطلاع بلهفة على عالم هائل من المواقف المتجددة والعطاء الإنساني بداخل قضيته في كربلاء, وسيكون كافياً لمعرفة كل هذا أن تصغي لنغمة صوته العميق الندي بالإيمان وهو يتموج بين خطوط الرمال الصحراوية بعطش آثر البقاء فيه مع أصحابه وأهله بما فيهم النساء والأطفال لتعلو كلمة الحق في مجتمع انطفأت أسرجته وتعرت مواقف أصحابه واختلطت فيه فصول الزيف بوقاحة لا تحدها حدود !.
فمن خلال إصغاء قلبك لكلمة واحدة منه ستصبح الحقيقة واضحة ، وعبر رمال جافة تعرجها بمخيلتك سترى تحول الأرض لمعارك دامية في ساعات قلائل غاب فيها العقل وغلب فيها حب الدنيا والتكالب عليها، وهناك ستقف على مشهد آخر آثم نال قداسة التاريخ والدين والإنسانية، وعن طريق طائر أسود يشبه الغراب يحوم حول فضاء المكان بمكر يثير الفتنة في كل مكان ستدرك حجم القبح الذي واجهه هناك وحده مع قلة من أصحابه ، وسيكون لزاما عليك حين تشهد كل هذا أن تفهم وتعي وتحلل بعض التراكيب الغير واضحة، وربما تستحثك الحقيقة لمواصلة الأمر واستكمال النقص بالبحث والتنقيب عبر أبواب أخرى للتاريخ، فتسافر عبر مواقفه البطولية وقصته الإنسانية الخالدة لتصبح معرفتك به يقينا تاماً وليست شبه ليقين .
إن أردت الحقيقة فعلاً فابحث عنها وقف على بابها واغسل بصرك وقلبك بها ، فهي متجلية في حروفه العميقة، في كلماته الرسالية ، في مواقفه الخالدة ، وفي خروجه لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله، إن فعلت فسوف تدحر أقفاص الشكوك من صدرك، وستعطي نفسك فرصة لإنهاء أسباب بعض المجازر العالقة بذاكرتك، حين تتسلق أهدابك قافلة اليقين الذي خطه بعمقه، ودمه، وبأهله على رمال تلك الصحراء الحارقة، فخرج صوته المجلجل للعالم، إنسانيا، واضحاً ، فاصلاً ، قبل أن تسبقه إليه صبغة الدين