حاجتنا إلى معرفة فاطمة
بسم الله الرحمن الرحيم
حاجتنا إلى معرفة فاطمة
للحديث عن الزهراء فاطمة عليها السلام نكهة خاصة ومذاق مميز، ذلك أنها خلاصة النبوة، ورحم الإمامة، ومثال العظمة ومنبع القداسة، ومحل أسرار الله، وهي ملتقى نور الله في النبوة والإمامة، ومنها ومن علي عليه السلام الامتداد الطاهر لنور النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونسله. لكن هذا الحديث صعب في إدراكنا لفهمه، لأننا وببساطة فطمنا عن معرفتها كما أشار بذلك الحديث الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: (إنا أنزلناه في ليلة القدر، ليلة القدر فاطمة، ليلة القدر فاطمة، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها. (البحار ج43ص 65). ولأن فيها السر المستودع من الله الذي ندعو به حيناً بعد حين كي تقضى حاجاتنا بها وبأبيها، وبعلها وبنيها (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها، وبعلها وبنيها، وبالسر المستودع فيها) وما أدرانا ما هذا السر الذي استودع فيها حتى ندعو الله بحقه، ونلجأ إليه كلما ألَمَّ مُلِمٌّ، وأي سر هذا الذي فطمنا عن معرفته، وأي سر هذا الذي عجز عن إدراكه العقل البشري وحار فيه العلماء وأرباب العقول ... ؟!
لذا كان لزاماً علينا أن نجهد أنفسنا في ملامسة بريق هذا السر الذي عجزنا عن معرفته، عبر التعرض لسناه من خلال التعمق في معرفة الزهراء فاطمة عليها السلام لعل الله يلقي علينا من فيوضاته ما يقربنا لفهمها أكثر فأكثر.
لقد كان التركيز قبل قرون مضت في الحديث عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها يدور حول ظلامتها في حقها وما جرى عليها بعد وفاة والدها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو حديث يحمل في جنباته ما يحمل من الحزن واللوعة والتحسر، لكنه وقبل بضع سنوات تحول إضافة إلى ما سبق حديث يحاول فهمها عبر ما ورد عن النبي وأئمة أهل البيت عليهم السلام في حقها و إلى إبراز عظمتها التي ربما نكون قد غفلنا عن الانتباه إليها، لذلك ازداد الحديث نكهة ومذاقاً خاصين كلما حططنا بساحتها، هذا الحديث نحتاجه كل حين حتى نبعث منه روحا جديدة لهذا الحب المتوقد لها ولأهل البيت سلام الله عليهم أجمعين، ولعلنا ومن خلا له أيضاً نلامس شيئاً من أطياف أسرارها النورانية، فنمسح به أرواحنا المنهكة التواقة، وبهذا ازداد الحديث صعوبة في فهم هذه الدوحة المباركة، لتبقى جهودنا مجرد محاولات عاجز عن إدراك ما يبتغي، لأننا وببساطة أيضاً فطمنا عن معرفتها.ولأننا وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما سميت ابنتي فاطمة لأن الله سبحانه فطمها ومن أحبها من النار.(إعلام الورى بأعلام الهدى ص161). نحاول أن نزداد انفطاماً من النار عبر ازديادنا حباً لها، فيا سيدتي: نحن لكِ أولياء ومصدِّقون، و لكل ما أتى به أبوك صلى الله عليه وآله وأتى به وصيُّه مسلمون، ونحن نسألك اللهم إن كنا مصدقين لهم، إلا ألحقتنا بتصديقنا بالدرجة العالية، لنبشِّر أنفسنا بأنا قد طهرنا بولايتهم عليهم السلام. ( مفاتيح الجنان ص89).
عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: لفاطمة موقفاً على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو محب أو كافر، فيؤمر برجل محب قد كثرت ذنوبه إلى النار، فتقرأ بين عينيه محباً، فتقول: إلهي سميتني فاطمة وفطمت بي من توالاني وتوالى ذريتي من النار ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، فيقول الله عز وجل: صدقتِ يا فاطمة، إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتوالاك وأحب ذريتك وتوالاهم من النار، ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك، فيتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف مقامك مني، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً أو محباً فخذيه بيده وأدخليه الجنة.( وفاة فاطمة الزهراء ص8-9).
وفي الحديث الشريف عن مولانا الصادق عليه السلام: هي الصديقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأولى. (بحار الأنوار ج43 ص105). فكيف هي المعرفة ؟! وكيف دارت عليها القرون الأولى ؟! وكيف تمت ؟! وهذا ما يدعونا إلى مزيد من التأمل والنظر لمعرفتها أكثر فأكثر.
لازلنا سيدتي مفتونين بكِ، نطلب أن ندرك بك غاية المنى، فاعتقينا من هذه القيود وخذينا نحوك، فيا سيدتي هبينا أن نزداد بك معرفة، وننغرس في أرضك نبتة تروينا بفيوضاتك الربانية، ( وترى الأرض هامدةً فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) الحج: 5.
لازلنا سيدتي هنا، نعم هنا، بين بقايا أعراب الأمس، نَحُنُّ إلى كساك حتى نتفيء ظلاله ونقاوم من خلاله شمس صحراء الأعراب المحرقة، نعم كساك الذي قال الله فيمن تحته: هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها، وبعلها وبنوها (حديث الكساء ص13). فنحن يا سيدتي رغم الجذب ولفح رياح النصب، وضياع خارطة الطريق المعوج، لازلنا نتجه ببوصلة الحب إليك، قال الفيلسوف الكبير الإمام محمد حسين الأصفهاني: (الإمام محمد حسين الأصفهاني، الأنوار القدسية ص32).
يا قبلة الأرواح والعقول وكعبة الشهود والوصول
من بقدومها تشرفت منى ومن بها تدرك غاية المنى
عبد العزيز علي آل عبد العال
الاثنين 18/6/1429هج