ما بعد العاشر
انتهت أيام عاشوراء، انتهت ورشة العمل الجماهيرية المليونية، أعلام تنصب، لافتات بشعارات مختلفة تعلق على جدران البيوت، حسينيات ومجالس مكتظة بالرجال والنساء، خطباء بمذاقات متنوعة يجمعها منبر الحسين، مواكب عزاء بعضها متحرك يجوب الشوارع وأخرى ثابتة يوحدها الجزع المحمود على الحسين، رواديد تنهمر من حناجرهم الأشجان الكربلائية، فرق تمثيلية تحاول أن تقارب المشهد العاشورائي بلغة الصورة، شعراء وأدباء يرسمون بالكلمات ما تجود به قرائحهم وأخيلتهم من وحي الطف، فنانون تشكيليون يحلقون بالريشة في السماء التي أمطرت دما عبيطا، قنوات تلفزيونية تبث المجالس الحسينية ومراسم الزيارة حية على الهواء أو مسجلة، نشرات خاصة تصدر بهذه المناسبة فقط، الموائد تقام في كل مكان والجميع في ضيافة الحسين،....
هذه المشاهد وغيرها شكلت الموسم الثقافي الأكبر الذي بلغ ذروته يوم العاشر من المحرم، الحضور في كل مكان كان كبيرا، ورغم تزامن الموسم هذا العام مع الامتحانات الدراسية النصفية إلا أن حضور فئة الشباب من الجنسين كان طاغيا مما يدل على قدرة الجذب والتعبئة الهائلة لهذه المناسبة المتفردة، والمستمدة من تفرد صاحبها عليه السلام الذي ملك قلوب الموالين ( وفي قلوب من والاه قبره )
إننا نرى من الواجب علينا بعد العاشر أولا أن نشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لنا جميعا بإحياء هذه المناسبة الأليمة، وثانيا أن نشكر كل من شارك بجهده، بماله، بوقته، برأيه، بحضوره، بتفاعله، بقلمه، بريشته، بتمثيله، بصوته، بنصبه الأعلام والرايات، بكتابة الشعارات، بتنظيم المواكب، بالإعداد للفعاليات المختلفة، فهناك الكثير من الجنود المجهولين الذين كان لهم دور رائد في إيقاد شعلة عاشوراء، والذين ينتظرون المكافأة الأكبر من الإمام الحسين ، فكلنا لسان حالنا يقول:
لم يخب الآن من رجاك ومن
حرك من دون بابك الحلقة
أنت جواد وأنت معتمد
أبوك قد كان قاتل الفسقة
لولا الذي كان من أوائلكم
كانت علينا الجحيم منطبقة
هذا ثانيا، أما ثالثا فأن نبحث عن الوسائل التي يمكن من خلالها استثمار هذا الموسم ليكون انطلاقة تغييرية لبقية عامنا، تشمل كافة الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فإن التحدي الأكبر يكمن في قدرتنا على المحافظة على هذه الروح والمعنويات العالية، وتوجيهها لصنع واقع أفضل.
إن هذا الأمر يحتاج إلى عقد الحلقات والندوات والمؤتمرات لمناقشته جديا، وهو يستحق كل ذلك، ألا تلاحظون أن معدل الجريمة ينخفض كلما هملت عيون شبابنا وشاباتنا على الحسين..